هكذا.. ترجل علي الشوك

Wednesday 16th of January 2019 07:58:03 PM ,

عراقيون ,

باسم عبد الحميد حمودي
صباح الجمعة الماضي 11/1، رحل الصديق الاستاذ علي الشوك في احد مستشفيات لندن عن ثمان وثمانين عاما. ياله من عمر طويل بالنسبة لاخرين ممن لم يفعلوا في حياتهم شيئا، لكني اشعر ان عمر علي الشوك كان قصيرا لانه خزين معرفي هائل، لديه الكثير مما حرمنا من معرفته. لان سنوات عمره لم تتسع له ولا لنا لان نزداد متعة ومعرفة عن طريقه في الموسيقى والادب والفلسفة واللغة. في كل متع المعرفة التي يحتاجها الانسان الواعي.

ولد علي الشوك في محلة الشوكية ببغداد عام 1930 وكان دار ابيه وداره تقع في (شويرع) امام الاذاعة اللاسلكية العراقية في الصالحية وعلى مقربة من دار والد مظفر النواب حيث كنا نزورهما في منتصف خمسينيات القرن الماضي. درس علي الشوك الرياضيات في مرحلة الليسانس في الجامعة الامريكية في بيروت ثم ارسل عام 1948 ببعثة حكومية الى الولايات المتحدة لدراسة الرياضيات وتخرج مدرسا بارعا فيها.
يقول الاستاذ الشوك في مقالة له عن الكتابة، انه كان لا يلحن اثناء قراءة النصوص في المدرسة الثانوية ولكنه كان لا يحب درس الانشاء، وكان يقرأ كثيرا وفي ايام المراهقة كانت صديقاته بطلات جين اوستن وتولستوي ودوهاميل، بطلة كل رواية يقرأها، فقد كانت مسالة الحب المباشر او وجها لوجه ـ كما يفعل شبان اليوم ـ صعبة ولكنها ليست مستحيلة!. فعل علي الشوك في مسئلة الحب ما لم يفعله احد، فقد احب بصدق جارة له وبدأ يكتب الرسائل لها، ولكن هذه الرسائل لم تصلها مباشرة بل عن طريق شقيقها الذي كان صديقا حميما له ويتفهم موقفه، لذلك كان ينقل الرسائل بامانة الى شقيقته واحدة تلو الاخرى!. ويبدو ان الفتاة كانت متونسة او متباهية بهذه الرسائل فقد كانت تطلع اختها الكبرى واخواتها الاخريات على الرسائل!.
عندما احست الاخت الكبرى ان الرسائل جادة وان ال الشوك سيطلبون يد اختها حملت كل الرسائل لوالدها الذي كان حصيفا هادئا واستطاع ايقاف علي عن الاستمرار في الكتابة في وقت تهيأت فيه بعثته الى بيروت.
واذا كان مثقفو بغداد وبيروت قد تعرف اكثرهم على علي الشوك عبر كتابه (الاطروحة الفنطازية) وهي درس في اللغة المغايرة وجمع الثقافات، فان معظمهم لم يكونوا يعرفون في الاستاذ الشوك قبل هذا دقة العمل الثقافي الرصين كمحرر رئيسي في مجلة (المثقف) التي كان يصدرها خريجو الجامعات الامريكية في الستينيات، وكان الشوك عمودها الرئيسي. كان دقيقا في تحرير المواد وهو لا يتحرج من الحوار مع امثالنا من هواة كيفية (التدوين)، واقصد هنا الكتابة التي تحافظ على الوضوح والجملة القصية والتنقيط واستخدام الفارزة في موضعا والنقطة عند انتهاء الجملة.
اذكر انا درسنا ذلك في (العالية) على يد استاذنا الدكتور فاضل حسين وقد ناقشته ايامها في (المثقف) وهو يريد نشر مقالتي عن القصة القصيرة. كان وجهة نظري ان نظام الترقيمpuncttion في العربية يختلف عن نظامه في الانكليزية، اذ لا وجود (للسمي كومة) في العربية كمثال. وقد شجعني صديقنا المشترك المرحوم عدنان البراك على الكتابة ضده في هذا المجال في جريدة (صوت الاحرار) الذي كان البراك مع بديعة امين يتولى تحرير الصفحات السياسية، وكان علي الشوك وعبد المجيد الراضي يتولى تحرير الجانب الثقافي. هنا خضت معركة التنقيط في صوت الاحرار دون جرأة على الاشارة الى الشوك، اذ ناقشني بصددها الاستاذ كاظم سعد الدين وخطاب العبيدي وعدنان البراك يحرض ـ ضاحكاـ على النيل من علي الشوك، والشوك قد اخذ الامر مثلنا بجد في التصويب والتنقيح.
لم يكن الشوك يجامل احدا في الادب والفكر، وظلت افكاره عبر دراساته طافحة بما يثري الفكر والحواس وخذ مثلا : الموسيقى الاليكترونية، كيمياء الكلمات، اسرار الموسيقى، الموسيقى بين الشرق والغرب، الكتابة والحياة.