عادل الهاشمي: وكأنَّه لم يرحل

Wednesday 12th of September 2018 07:13:14 PM ,

عراقيون ,

عبد الجبار العتابي
منذ أعوام مضت رحل الناقد الموسيقي العراقي، عادل الهاشمي، وهو رجل لديه ذاكرة لا كمبيوتر، تختزن أجمل الأغنيات التي قدمها العرب، من الأغنية الأولى إلى الأخيرة، ولديه من المعلومات ما لا يمكن أن يكون له مثيل، وبإمكانه أن يغني أية أغنية أو يقرأ كلماتها أو يحكي عن تفاصيلها.

في اللحظة الأولى تعتقده يمزح معك، إذ يسكب المعلومات دفعة واحدة وهي النائمة في أعماقه، ولا يقولها بمحاولات استرجاع أو تلكؤ أو استحضار أبداً، كما أنه يفهم في الألحان والمقامات.
تشعره أنه يجامل في بعض الأحيان مثلما تجده لا يجامل أبداً، لذلك كانت معاركه كثيرة وأعداؤه كثر، ولكن الغريب أنه لم يأبه بكل الهجمات وبكل السيوف، وكان لا يفعل سوى أن يشهر قلمه، فيهرب الجميع وتتهاوى السيوف على الأرض، ويضطر أصحابها للرضوخ لأمره الواقع.
العديد من المغنين كانوا يتمنون كلمة منه، يتمنون أن يذمهم الذم العنيف ويقسو عليهم في نقده، ولأنني كنت قريباً منه لسنوات طويلة، كان البعض يتوسطني لكي أجعله يذمه أو حتى يشتمه، ولكنه كان يبتسم ويقول:"معاذ الله».
عادل الهاشمي الذي أكمل دراسته في القاهرة عام 1964، عاش مفارقات حتى في رحيله، فقد مات في يوم الجمعة الذي كان يحبه، وفي فندق أم كلثوم المطربة التي يعشق صوتها، وفي طابق يعلو عن الأرض كثيراً، توقف قلب عادل الهاشمي، القلب الذي عانى من أزمة قبل أيام من هذا الرحيل، واستلقى على سرير العناية في مستشفى"ابن البيطار»، لكنه حين اسيقظ وجد القاهرة التي فارقها قبل نحو 40 عاماً تلتفت اليه كأنها تغزله وهو الذي عشق موسيقاها ومطربيها، فوجد نفسه مدفوعاً ومنجذباً إليها، وحين فكر في الإستراحة من عناءاته، استلقى على سرير الراحة، لكن قلبه لم يمهله فانكمش ومن ثم توقف، ولكنه قبل هذا كله صلى في مسجد جمال عبد الناصر وزار مرقده، وزار شقة محمد عبد الوهاب وعمارة فريد الأطرش.
في فندق أم كلثوم وفي غرفة حملت إسم اغنية يحبها"حاقابله بكرا»، كان هناك صمت، كل ما في المكان وحوله توقف للحظة، حتى الموسيقى صمتت، بينما الأنغام أحنت رؤوسها، والممرات المؤدية الى غرفته تحوَّلت إلى أجنحة سود، الصمت كان ينسج خيوطه إعلاناً عن رحيل الرجل الغارق في الموسيقى والوامق لها.