الدكتورة خديجة الحديثي ومصطلح المدارس النحوية

Wednesday 13th of June 2018 07:27:48 PM ,

عراقيون ,

د. مؤيد عبد الجبار خضير
تعرض النحو العربي وعلى مدى تأريخه الطويل إلى خمس محاولات تجديدية، أو تيسيرية، وكان ذلك ابتداءً من القرن السادس الهجري على يد أبي مضاء القرطبي (ت 24ه) الذي دعا إلى إلغاء نظرية العامل، والعلل، وغيرها من الدعوات، وتتالت المحاولات بعدها من المحدثين والمعاصرين إذ وجدت دعواه هذه صدىً عند مجموعة من العلماء المعاصرين مثل شوقي ضيف، وإبراهيم مصطفى.

ذكرت الحديثي، أنَّ القدماء لم يتعرضوا إلى قضية العامل، والقياس، وأبواب النحو، بل تعرضوا إلى المادة النحوية في المختصرات، وهذا برأيها ليس من التيسير في شيء، وعللت ذلك بقولها: إنَّ هذه المختصرات هي كتب تعليمية وليست تيسيرية لانها اعتمدت تعليلات، وتقديرات لا يُحتاج لها، وجدل منطقي نقلوه من الدراسات الفقهية، والمنطقية، والفلسفية، ولاسيَّما في تناولهم أصول النحو العربي، وترى الحديثي أنّ هذا ما لا يحتاجه المتعلم في النطق، وضربت لذلك مثالاً وهو اختلاف النحويين في علامة رفع الأسماء الستة أهي الواو، أو الضمة، أو الضمة والواو، أو ضمة مقدرة على الواو، فهذه الأشياء وأمثالها من الجدل والتعقيد للدراسة النحوية لا تفيدنا نطقاً. فالتيسير عندها يمس النطق وهو مايفيد المتكلم، ما الخلافات النحوية والجدل الدائر بين مس قضية النطق وهو ما يفيد المتكلم، العلماء حول قسم من المسائل النحوية فهو من الجدل العقيم الذي لا طائل من وراءه.
موقفها من مسألة المدارس النحوية:
اهتمت الحديثي في قضية المدارس النحوية أيَّما اهتمام حتى أنَّها أفردت لها مصنفاً كاملاً حمل هذه التسمية، كان ذلك عام ً1981 وقد طبع هذا الكتاب، بدات الكتاب بمقدمة عرضت فيها لحقيقة المدارس النحوية، أو المذاهب النحوية، وانتهت إلى أن تلك حقيقة لا تنكر وإن اختلفت الأسماء، وعللت ذلك بقولها:"الدرس النحوي لم يكن قوالب جامدة، أو اتجاهاً واحداً في بيئاته جميعاً"وإنَّما اختلف باختلاف البيئات، وكان لكل بيئة طابعها، ومع ذلك هي اقرت بأنّ هذا التنوع في هذه البيئات لا يقود إلى الاختلاف الذي يولد أنواعاً مختلفة من النحو؛ وبكتابها العظيم وتراثها الخالد.
اختلف علماء النحو في المصطلح نفسه (مدارس)، مثلما اختلفوا في البديل، وفي عدد هذه المدارس، أو المذاهب، أو الاتجاهات، عند مؤيدي وجودها، لأنّ هناك من العلماء مثلاً يقرّ وجودها من الأصل، وللدكتورة الحديثي رأيٌ في ذلك سنجمله بعدما نعرض لمجموعة من الآراء للقدماء والمعاصرين:
رأي القدماء: بصورة مجملة لم نرَ من أشار إلى مصطلح)مدرسة) للدلالة على اتجاه نحوي معيَّن، بل اتَّبعوا في تصنيفهم العلماء بنسبتهم إلى البلد الذي نشأوا فيه فهم بصريون، وكوفيون، وبغداديون، ومصريون، وأوّل من يلقانا من القدماء محمد بن سالم الجمحي (ت235) الذي قال:"وكان لأهل البصرة في العربية قدمة، وبالنحو ولغات العرب والغريب عناية، والدليل على أنَّهم أي القدماء، كانوا ينسبون النحاة إلى بلدانهم، ويذكرونهم في ترجمتهم إياهم بحسب البلدان، ولم يكونوا يعرفونهم باسم (مدرسة)، أو (مذهب(أنَّ أبا الطيب اللغوي ختم كتابه بعد الانتهاء من ذكر البصريين والكوفيين وقوله فيهم : والا علم للعرب إلا فيهم: بالتعريف في البلدان الإسلامية الأخرى كمكة والمدينة.
رأي المعاصرين:
منهم من لم يقر أصلاً بوجود المدارس النحوية مثل الدكتور علي أبو المكارم، ورأيه أنّ اختلاف المناهج لا يعني وجود مناهج متباعدة مستقلة بل لابد من رابط مشترك بينها.. ومنهم من أقرَّ بالمصطلح (مدرسة) إلا اختلفوا في مضمونه بنسب متفاوتة وعلى النحو الآتي:
الدكتور أحمد مكي النصاري يرى أنّ المدرسة هي: اتجاه له ُ خصائص مميزة ينادي بها فرد، أو جماعة من الناس، ثم يعتنقها آخرون. الدكتور محمد حسين آل ياسين، يرى أنّ المدرسة هي: لفظ يطلق على جماعة من الدارسين تشترك في وجهة النظر، ويكّون منهجاً خاصاً يؤلف جبهة علمية ويرتبط أفرادها برباط الرأي الموحد - الدكتور مهدي المخزومي، يرى أنّ المدرسة هي: أستاذ مؤثر وتلاميذ متأثرين، وقد اجتمعوا على تحقيق غرض واحد ونهجوا للوصول إليه منهجاً واحداً.
الدكتور شوقي ضيف، يرى أنّ المدرسة تعني: مجموعة النحاة الذين كوّنوا درساً في بيئة معينة سواء أضَّمهم منهج موحد خاص بهم له أسسه، أنَّهم وأصوله وقواعده المعروفة المستقلة أم كان مبنياً على منهج من سبقهم إلا أنهم استقروا في بيئة أخرى وتأثروا بظروف البيئة الجديدة بعض التأثر. وقد بحث شوقي ضيف بخمس من المدارس النحوية وهي: البصرية، والكوفية، والبغدادية، والاندلسية، والمصرية، وهو بحثٌ يرسم في إجمال الجهود الخصبة لكل مدرسة وكل شخصية نابهة فيها.
في عدد هذه المدارس تبعاً لرأيهم في الحد والتعريف ولم يختلف المعاصرون بالمصطلح فقط بل نجدهم اختلفوا كذلك في عدد هذه المدارس تبعاً لرأيهم في الحد والتعريف، فمنهم من قال بوجود مدرسة واحدة وهي مدرسة البصرة كالمستشرق جوتولد فايل، وأنكر وجود مدرسة الكوفة، ومدرسة بغداد. ومنهم من يؤكد وجود مدرستين فقط هما، البصرة والكوفة كالدكتور المخزومي. ومنهم من قال بوجود ثلاث مدارس كالأستاذ أحمد أمين، عاداً مدرسة بغداد ثالثها، ومنهم من قال بأربع كالأستاذ طه الراوي، ومنهم من أوصلها إلى خمس كالدكتور شوقي ضيف.
أما الدكتورة خديجة الحديثي، فعلى الرغم من أنَّها قد سمَّت كتابها بالمدارس النحوية وكأنها مقرّة بهذا المصطلح ضمناً إلا أنها لم تزج نفسها بهذا الخلاف الشكلي مثلما تراه وذلك واضح بما تقوله: إنّ اختلاف البصريين والكوفيين في المصطلحات والتسميات لن يقدّم أو يؤخّر ولن يغيّر من النحو شيئاً، فالتابع واحد سواء سميناه صفة مثلما شاع عند البصريين أم نعتاً مثلما يسمّيه الكوفيون، لذلك لا فرق في الاعتماد على هذه اللغة وتفسير الظواهر، الواردة فيها وتعليلها وتسميتها بين أن يكون الدارس بصرياً، أو كوفياً، أو شامياً أو أندلسياً بغدادياً، أو مصرياً بغدادياً، أو مصرياً، الكتاب المذهب النحوي في البصرة، أو المذهب النحوي في الكوفة، أو الدرس النحوي في بغداد، أو الدرس النحوي في مصر، إلا أن هذا لن يغيّر كثيراً من الواقع، فلتكن (المدارس النحوية)، أو (المذاهب النحوية)، أو (الدرس النحوي(، ما دامت كلها تلتقي في أصول واحدة تتبع لغة عربية أصيلة نزل بها كتاب الله الخالد القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

عن بحث (الدور اللغوي للمرأة في العراق) في مجلة التراث العلمي العربي.. العدد الثالث –7102م