عشتار ومأساة تموز

Wednesday 6th of June 2018 06:30:06 PM ,

عراقيون ,

رائد الحواري
الكتاب من إصدار دار الشؤون الثقافية، بغداد طبعة ثانية عام 1986، يطرح كتاب الدكتور فاضل عبد الواحد في (عشتار ومأساة تموز) العديد من القضايا المتعلقة بعقيدة الإله تموز والربة عشتار، وبما أن المؤلف أستاذ في علم السومريات ويمتلك معرفة جيدة بعلم الأشوريات، فقد قدّم لنا خلاصة علمه في هذا الكتاب، وقد وضعه بطريقة الأستاذ الذي يهتم بطلابه،

فكان لا يتناول موضوعاً إلا بعد أن يعطه حقه إن كان من خلال تناوله من جوانبه كافة، أم بتحليل الأطروحات والأفكار التي تناولها المفكرون الآخرون، كما أن الكتاب يضم مجموعة من اللوحات والرسومات التي توضح العديد من الأفكار والمعتقدات التي تتعلق بفكرة الملحمة السومرية"عشتار ومأساة تموز"وهناك نصوص مسمارية ترجمها لنا الكاتب لكي يسهل علينا فهم الفكرة التي يرد، وأيضاً لإعطائنا المعرفة اللازمة بطبيعة الأسلوب الأدبي الذي استخدمته الحضارات في بلاد الرافدين في ما يتعلق بالفكر الديني عندهم، وهذه الترجمة للنصوص المسمارية، جعلت عملية المقارنة بين الفكرة الدينية العراقية المتعلقة بالندب من جهة، والفكرة التوراتية والمسيحية والإسلامية أسهل في فهم الأمور التي تتلاقى بها جميع هذه الأديان مع المعتقد ألرافدي"مـأساة تموز».

آلهة الخصب
في هذا الفصل يتناول الكاتب الفكرة الرافدية عن الخصب، وكيف أنها في الأصل كانت تتناول فكرة الآلهة الأم، التي تتماثل بعطائها مع طبيعة الأم البشرية المعطاءة، وقد اختار اسم"عشتار"بدلاً من اسم"انانا"لشهرة الاسم الأول على الثاني، وأيضاً لانتشار ـ عشتار ـ في العديد من المناطق المجاورة للعراق.
«ثدياك، سيدتي، حقل معطاء
ثدياك، انانا، حقل معطاء
حقل واسع واسع"يفيض"بالزرع
حقل واسع"يفيض"بالحب
وبالماء الذي يتدفق ـ للمولى ـ من العلى
وبالخبز الخبز من العلى
فاسكبي لي، للمولى، لأشرب منه"ص23، لقد تم إعطاء الإلهة"انانا / عشتار"صفات إنسانية وصفات طبيعية، مما يشير إلى أن الفكرة الرافدية عن الآلهة كانت تجسد بصورة الإنسان، وكانت تعطي في بعض جوانبها الطبيعة الإنسانية. وتم تجسيد الآلهة"عشتار"بجوانب من طبيعة العراق، وجوانب من طبيعة المرأة.
وإذا تمعنّا في النص السابق نجد بأننا أمام شكل من الابتهالات الدينية، التي تذكر الصفات الخيّرة في الإلهة، والقدرات الخارقة لها، وأيضا هناك دعاء واستجداء الاستدامة هذا الخير الذي تغدقه"انانا / عشتار"على المبتهل.
شكل هذه الآلهة يتمثل في نجمة في السماء، وهي تمثل الثالوث السماوي الذي عبده سكان الهلال الخصيب والعرب في الجزيرة العربية، فكان هناك بالإضافة إلى عشتار الإله"سن"القمر، والإله"شمش"الشمس، وهذه الآلهة سماوية، لكن العبادة في بلاد الرافدين لم تقتصر عليها فقط، بل كانت هناك مجموعة من الآلهة الأرضية لها صفات تتوافق ـ أحياناً ـ وتتباين مع الآلهة السماوية، فكان هناك الإله"تموزي"والإله"انكي"والإلهة"ارشكيجال"ربة العالم السفلي، هذا بالإضافة إلى العيد من الآلهة الأخرى إن كانت سماوية أم أرضية.
معنى كلمة "عشتار" تعني " الإلهة بصورة عامة وتعني أيضاً المعبودة الشخصية أو تمثالها والتي كان يتخذ منها الفرد قديماً وسيلة بينه وبين الآلهة الأخرى، واشتق من الاسم الصفة lshtaretu بمعنى"المقدسة"التي أصبحت أحد نعوت الإلهة عشتار"ص22و23، هذا التوضيح المبسط والكامل حول عشتار يجعل المتلقي يأخذ العديد من المعلومات التي تتعلق بعشتار، ويستطيع أن يستوعب العديد من الأفكار التي تتعلق بها، وهذا إحدى ميزات الكاتب الذي يعتمد تناول المواضيع من جميع جوانبها وليس القفز ـ إن كان تهرباً أم قناعة بأن المتلقي على دراية وعلم وافٍ، وتم رسم صورتها على شكل قصبتين فيهما انحناءة في الأعلى، وأحياناً أخرى بصورة نجمة ثُمانيّة. حتى أن الكتابة المسمارية استخدمت النجمة الثُمانيّة كتعبير عن كلمة إله أو آلهة، وقد تم تصويرها بصورة:
«المفعمة بالحيوية والسحر والرغبة
حلوة الشفتين وفي فمها يكمن سر الحياة
يا من بظهورها يكتمل السرور
قوامها جميل وعيناها مشرقتان
ومن نظراتها تنبعث الفرحة والعظمة والطمأنينة
عسى أن تمنحك انانا زوجة دافئة
الأطراف تضطجع لك
وعسى أن تمنحك أولاداً أقوياء السواعد
وإن تجد لك منزلاً سعيداً"ص45و46و47، على هذه الصورة كانت الربة عشتار، وكأن المجتمع العراقي القديم كان يجعل منها رمزاً لكل امرأة جملية، تأخذ المثل الأعلى للجمال، وأيضاً نجد في الوصف السابق ما هو مادي يُشاهد بالعين المجردة، مثل الجمال، وما هو نفسي، يترك أثراً في النفس، ونجد في النص السابق بأنها من يجمع الرجل والمرأة على فراش الزوجية وهي من تجعل البيوت سعيدة وعامرة بالأولاد الأصحّاء الأقوياء، فكل ما يتعلق بالأسرة مرتبط بعشتار.
من الصفات الأخرى للربة عشتار أنها ربة الحرب، وهي المسؤولة عنها، وقد أعطاها الآشوريون اهتماماً خاصاً، ونسبوا العديد من معاركهم التي خاضوها وحققوا فيها الانتصار إلى وقوف عشتار معهم.
«جاءت عشتار التي تسكن أربيل والكنائن تتدلى من جنبيها، كانت تحمل القوس بيدها وتشهر السيف للمعركة، وكنت واقفا أمامها، فكلمتك وكأنها أمك التي ولدتك لقد نادتك عشتار المعظمة بين الآلهة وأعطتك الوصايا التالية"سوف تكمل انجاز أوامري واني سأتقدم حيثما وليت وجهك"ص50، مرة أخرى يتم تقديم عشتار بصفات بشرية وأخرى آلهية، فهي تحن على من يعبدها وتقدّم له العون في المعركة، وتنتقم من الأعداء، والنص السابق يمثل تاريخ الحملات الآشورية على المناطق المجاورة، حيث تم ذكر مناطق جغرافية (أرابيل).
وكتأكيد على الأهمية التي أولاها الآشوريون لعشتار، فقد سمّوا العديد من مدنهم مقروناً بعشتار"عشتار بينوى، عشتار أربيل، عشتار بيت كتموري، عشتار دينيتي، عشتار انوناتي"ص78، فلو رجعنا إلى الآلهة التي عبدها العراقيون القدماء لوجدنا بأنهم كانوا يتغيرون باستمرار، ويأتي جليل جديد يحل مكان الجيل القديم، مع بقاء الآلهة القديمة، لكن ليس بذات المكانة التي كان عليها، باستثناء الآلهة عشتار التي استمرت مكانتها في العديد من الدول والحضارات التي تعاقبت، فمنذ عام 3500 ق.م إلى عام 525 ق.م كانت عشتار هي الربة الرئيسة، وهذا يدل على استمرار الفكرة الدينية التي تمثلها، إن كانت آلهة الخصب والنماء، أم آلهة الحرب والتدمير.
المعابد التي أقامها العراقيون للآلهة عشتار كانت تنتشر في العديد من المدن العراقية القديمة، لكن المركز الرئيس كان في مدينة الوركاء، حيث حصلت عشتار من مدينة أريدو التي يسكنها الإله انكي على نواميس الفن والحضارة، بعدما أسكرته فقدّم لها كل النواميس التي يملكها، من هنا تتحدث الأساطير عن المكانة المميزة لعشتار في مدينة الوركاء، وكانت المعابد تتكون من جزئين واحد لعشتار والثاني لتموز، كتأكيد على طقوس الزواج المقدس التي استمرت حتى آخر دولة وطنية عراقية، الدولة البابلية الحديثة، وما بوابة عشتار في مدينة بابل التي خلفها البابليون، والتي تمثل تحفة فنية عمرانية، إلاّ تأكيد على المكانة العظيمة والمستمرة لها.
الإله عشتار كانت تتمتع بصفات أضافية، تتمثل في منحها حق الملوكية لمن تريد، فهناك سرجون الأكادي، المؤسس الأول للدولة الأكادية والتي توسعت حتى وصلت إلى البحر الأعلى (المتوسط) غرباً والبحر الأسفل جنوباً (الخليج العربي) فهذا الملك استمد شرعية الملك من الآلهة عشتار التي التقطته من النهر وربته إلى أن وصل إلى سدة الحكم في أكاد.