خليل الرفاعي حطّم العود امتثالاً لرغبة والدهِ

Wednesday 25th of April 2018 07:02:21 PM ,

عراقيون ,

ستار جاسم ابراهيم
وأنا طفلٌ لا استطيع تحديد عمري، قيل لي إن اليوم يوم عيد، ولم أكن أعرف ما معنى أن يكون اليوم عيداً.
لكأنما الناس في ذلك اليوم لم يكونوا الناس الذين أعرفهم، فهم فرحون لكني لا أعرف سبب الفرحة، وأراهم يتبادلون التهاني والقبلات، وفي البيوت يتبادلون صحون الطعام والمعجنات مثل)الكليجة وخبز العروك والحلاوة(، وبمرور السنين، صار العيد عندي يعني) الونسة(والعيد في محلتنا)

الجوبي(، في منطقة الشيخ معروف يعني الملابس الجديدة والفلوس) العيديات(من أبي وأمي وجدتي وكانت بالفلس والعانة) أربعة فلوس (والقرانات)القران عشرون فلساً، أما اذا كانت العيدية ريال)أربعة دراهم (فحدّث ولا حرج هي الفرحة الكبرى كالعثور على كنز، وتُصرف على ركوب الخيل والمراجيح. كانت الدنيا رخيصة والناس على قناعة ورضا بما قسم لهم. * وماذا بعد؟
- كان والدي حداداً في منطقة الفحامة، لكنه يجيد القراءة والكتابة بقلم القصبة وكان يصنع الحبر بنفسه من برادة الحديد المنقوع بالماء.. ومن والدي استلهمت حبي للقراءة والكتابة قبل التحاقي بالملا ومن ثم بالمدرسة الابتدائية.
* وما أكثر ما كان يردّده عليك؟
- كان دائماً يقول رحمه الله أولادي..من يحبني حقاً ويعطي حق أبوته لي هو الذي يتصرف مع الناس جميعاً بحيث يقولون له:
- رحم الله والديك.. من كل قلوبهم. وخير الناس من نفع الناس وأشرّهم من يؤذيهم أو يغشهم.
* ولكنْ لك حكاية مع الوالد بشأن العود والوتر المشدود؟!
- كان ذلك على ما أذكر في سنة1946 وقد أخذت عودي الذي أخفيته عنه، وقصدت سطح الدار، وأنا أعزف عليه وقد انجررت الى النشعة الموسيقية والسلطنة الغنائية مقلداً أحد المطربين المشهورين وقتذاك،ها.. تذكرت، كنت أعزف لحناً سمعت شعراً للعندليب، فجأة وجدت والدي بالقرب مني والغضب متجسم على وجهه. أخيراً قال لي بحزنٍ وبأسف بالغين :لا يا ولدي خليل.. على بختك أبني
.. ابتعد عن هذه الآلة.. نحن من عائلة معروفة وموقعنا عند الناس معروف. نحن من أهل المروءة والاحسان، فقلت على استحياء منه : يا والدي لم اقترف ذنباً، وانما احاول أن اتعلم عليه، وأنا لا أخالط أصدقاء السوء، فرد عليّ:
- اعلم هذا ولكني اخاف عليك ما بعد التعلم، وينتهي الأمر بك الى الملاهي وهذا ما لا أرضاه مطلقاً.
وقلت له وما الذي يرضيك يا والدي؟
أجاب أن تحطّم هذا العود بيديك. وما هي إلا لحظة حتى تحول فيها العود الى قطع متناثرة مع الأوتار التي تشابكت مع تلك القطع، وأغرورقت عيناي بالدموع، غير أن الوالد واساني بعدها بقوله، لقد أرحتني إذ اطعتني، فأجبته بأن الله يحثنا على إطاعة الوالدين ورضا الله من رضاهما. *كنت متأرجحاً بين الغضب والرضا؟
- لم اغضب من والدي أبداً، انما انصب غضبي على بعض العقول التي كانت تنظر الى الفن والفنانين نظرة مريبة. لذا سارعت لبيت جدي في محلة الفضل، ولحق بي والدي بعد يومين يسترضيني، واعطاني ثمانية دنانير لاشتري عوداً جديداً بستة دنانير والباقي حلاوة صلح.
* وما حكايتكم مع عمليات تجبير الكسور؟
- حكاية صحيحة، فجدي السيد احمد في محلة الفضل، كان من المجبّرين المشهورين، ويأتي بعده والدي، وهناك أحمد الكردي المجبر الشهير في محلة باب الشيخ وكذلك ابن شكر.
* وماذا عن تجبير النساء؟
- لا تذكرني بهن رحم الله والديك. مسكينات كن يفضلن الموت ولا يعرضن كسورهن على الرجال، وانا احفظ الكثير من قصصهن، خاصة اذا كانت كسورهن في منطقة الحوض وعظام الترقوة والمنكبين.
* ألم تكن هناك مجبّرات حتى لو كنَّ غير فنيّات؟
- حسب علمي لم يكن لهن وجود، ثم أن هذا النوع من العلاج يحتاج الى جرأة وأحياناً المجازفة وقد اختص بها الرجال.
* واحدة من تلك القصص؟
- لا على بختك.. إنها تدميني!. إلا اني اذكر لك واحدة لأجنبية. إذ جاءت الى بيتنا سيارة ترفع على جانبها العلم البريطاني، ونزل منها شخص طويل وقصد جدي السيد حسون وكان سمعه ثقيلاً، وكنت انقل الحديث بينهما، حيث أن زوجة المندوب السامي اصيبت بالتواء أو رضّ في كاحلها، وقد عالجها الطبيب الانكليزي )ولعله كان المستر سندرسن( دون جدوى برغم مرور اكثر من عشرة أيام على الحادث، إلا أنها لم تتحسن، وافق جدي على الذهاب معه الى السفارة البريطانية في محلة الشواكة القريبة منا، وحملت معه الأدوات العلاجية والمؤلفة من العيدان الصغيرة وبيض الدجاج لاستعمال صفاره ومادة) الشريس (وقطع من خام الشام وشيء من الدهن الحر. ولما وصلنا الى السفارة والتقينا) بالمدام (سألها جدي عن موضع الألم، فأشارت الى قدمها اليمنى، داسها جدي بقوة ومن دون مقدمات ورفع جذعها الى الأعلى فأغمي عليها. فقام برش الماء على وجهها.. حتى أفاقت ثم ضحكت وقالت:
- عجيب لقد زال الألم. فقال لها جدي بوجود أحد المترجمين، إن لا تلعب) المدام (التنس ولا تتحرك لمدة اسبوع على الأقل. وبعد مدة جاءنا الرجل الطويل ثانية ليعطي جدي بعض النقود التي رفضها بالطبع قائلاً له:
نعالج الناس ابتغاء وجه الله كسباً لأجر الآخرة وليس أجر هذه الدنيا.