نوال السعداوي : إن الفكر العربي في ردّة خطيرة وعلى المثقفين الانتباه

Tuesday 24th of April 2018 05:55:49 PM ,

منارات ,

ياسر جاسم قاسم
الدكتورة نوال السعداوي روائية مصرية معروفة وناشطة في المجالات النهضوية والفكرية ناضلت من أجل حرية المرأة ودفعت الغالي والنفيس، ناشطة في مجالات حقوق الإنسان، مثقفة موسوعية كان لها حضور في مؤتمر الميدلينك، وهو المؤتمر الخاص بدول البحر الأبيض المتوسط والذي عُقد مؤخراً في روما للفترة من 24/11/2006 وحتى 26/11/2006 وكان المؤتمر قد شارك به كل من العراق مركز المسلة للتنمية البشرية، وقد التقيتها في روما، وكان لي معها هذا اللقاء :

س:كيف تنظر الدكتورة نوال السعداوي إلى حركة الفكر العربية الحالية، هل هي في صعود أم هبوط أم ماذا؟ وما هو رأيها بحركة النقد الأدبي الحالية وروايتها الأخيرة التي صودرت من قبل الأزهر والكنيسة؟
د. نوال: الفكر العربي يتدهور اليوم وهو في ردّة كبيرة بسبب الردّة السياسية على المستويين الدولي و المحلي العربي، وهناك ردّة ثقافية وفكرية وغزو فكري وهابي وإسلامي أصولي والذي يسبّب الجزء الأساس من هذه الردّة، وإن هناك الحركات الأصولية الاسلامية التي نشأت بسبب التعاون مع الأميركان والحكومات المحلية العربية. ففي مصر مثلاً، السادات تعاون مع الحكومة الأميركية وهو الذي شجع التيارات الإسلامية لضرب اليسار المصري وتقسيم البلد.
كل ذلك يتبعة الفكر لأن الفكر يتبع السياسة في شعوبنا، ولكن الفكر يجب أن يسبق السياسة ويصبح متقدماً عليها، لكن الفكر عندنا نحن الشعوب العربية، يتبع السياسة والنخب العربية تتبع الحكومات وتستخدمه، وقليل من المثقفين العرب يقفون ضد الحكومة والنتيجة أنهم تشوهت سمعتهم ويدخلون السجون وتُصادر أعمالهم مثل أعمالي، وروايتي الأخيرة التي صودرت من قبل الأزهر والكنيسة بسبب بعض العبارات التي اعتبروها أنها ضدّ الأديان، وهي رواية على لسان أبطال خياليين، حيث أن الرواية هي مزيج من الواقع والخيال. أما حركة النقد فلا توجد لدينا حركة نقد فعّالة وصحيحة، لأن نقّادنا هم موظفون لدى الدولة، وهذا طبعاً ضد حركة النقد، والدليل أن النقّاد قد قاموا بمهاجمة روايتي الأخيرة، لأن النظام السياسي يحاربني، إذن النقد الأدبي يحاربني كذلك، وهذه مأساة، حيث لا توجد حركة فكرية ولا توجد بالنتيجة حرية نقد إلا نادراً.

س: هناك مقولة للمفكر المصري الدكتور عاطف العراقي يقول فيها: إن الأفكار التي كانت تقال بحرية في العصر العباسي لو قيلت اليوم لعلّق أصحابها على المشانق، فما هو تعليقكم على هذه المقولة؟
د. نوال : هذا صحيح بل يوجد في مصر القديمة الآلهة ايزيس، كانت امرأة حيث كانت للمرأة في مصر القديمة حريّة وكرامة، وكانت للمرأة المصرية القديمة كرامة سُلبت اليوم، حيث كانت امرأة آلهة وحاكمة ونقيبة أطباء ومفكرة والآلهة (سخمت) كانت نقيبة أطباء واليوم في مصر لا توجد نقيبة أطباء، إذن هناك ردّة ثقافية وفكرية عن الحضارة القديمة. لقد بدأت الثقافة القديمة في العراق، حيث مهّد الالفاباتكا، حيث كانت (نيدابا) المرأة العراقية القديمة هي التي بدأت الكتابة.

س: إذن المفهوم من كلامك دكتورة، أن معاناة الفكر والرواية بسبب قلّة حركة النقد الأدبية والثقافية وعدم تحرّرها؟
د. نوال : نعم هذا صحيح وذلك بسبب غياب الحرية، والنقد يحتاج الحرية ولا يمكن ازدهار النقد إلا في ظل الحرية والديمقراطية التي لا تعني فقط الانتخابات، بل تعني أن كل انسان له عمل مبدع، حيث توفّر له حياة حرّة كريمة ويبدع من خلالها، ولكن لدينا على سبيل المثال في مصر، المجتمع جائع وهناك فقر مدقع بسبب العولمة والاستعمار وتعاون الحكومات معه، فعندما يوجد فقر لدى أغلبية الناس فكيف يفكرون وهم جائعون، إذن ستبقى النخبة فقط هي التي تفكّر، ولكنها تفكّر لخدمة السلطة إلا القليل منهم.

س: ما هي رؤية الدكتورة نوال السعداوي لحركة الحداثة العربية ورأيها بالحداثويين العرب؟
د. نوال: اعتقد أن الفكر العربي تابع للفكر الأميركي بكل أسف، فلما أقرأ الصحف الأميركية، وأقرأ للمفكرين العرب، وأقرأ لصموئيل هنتغتون، أرى المفكرين العرب ينقلون عنه دون أن يفكروا أن هذه الفكرة خاطئة ولا تنطبق علينا، لأن الصراع ليس صراع حضارات أو أديان، بل هو صراع مصالح وأراضٍ وحياة وبترول وسيطرة كفلسطين مثلاً، الصراع هناك على الأرض والمياه، والعراق هناك صراع بترول وسيطرة، وهم يخترعون صراع الحضارات ليغطّوا الصراع الاقتصادي والسياسي الحقيقي.

س: أفهم من كلامك أن المثقفين في حالة اجترار ثقافي وهذا ما قال به المفكر(محمد عابد الجابري)؟
د‌. نوال: نعم أغلب المثقفين كذلك، ولكن قلة تنتقد، وتقوم بالنقد، وهؤلاء القلّة يدفعون ثمناً غالياً، هؤلاء القلّة من اللازم إبرازهم لكن الذي يطفو على السطح هم النخب التي تعمل مع السلطة.

س: اعتقد أن هناك سلطة استبدادية تحاول أن تضيّق على النخب الثقافية العربية التي تخلصت من سلطة الحكومات، ومثال ذلك ما تعرض له المفكر (نصر حامد أبو زيد أو السيد القمني)؟
د. نوال: ليس فقط هؤلاء، بل ما حدث معي حيث حاولوا أن يفرقوا بيني وبين زوجي الدكتور شريف حتاتة بالقوة بسبب روايتي الأخيرة وذهبنا للمحاكم وقالوا إن نوال السعداوي ضدّ الإسلام والأديان، ولكن بكل أسف، أن الثقافة العربية تهمل نضال النساء على المستوى الفكري والدليل على ذلك، أنت تذكر اسماء مفكرين عرب رجال ولا تذكر النساء، فالتاريخ يذكر نصر حامد أبو زيد ومحمد عبدة وغيرهما، ولايؤرّخ ويذكر شيئا عن نضال النساء في المجالات الفكرية، فأين نضال النساء العربيات اللواتي دافعن وكافحن ودفعن الثمن غالياً ولا يذكرهن أحد؟.

س / ماذا تقول الدكتورة نوال في ما يخص قضية تحرير المرأة وتخليصها مما تعاني؟
د.نوال: المرأة لا تحرر إلا بالمرأة، والنساء يجب أن تتخذ الموقف اللازم لتحريرهن، وحاولنا أن نعمل اتحاداً للنساء في مصر يسمّى (تضامن المرأة العربية) وانهم وقفوا ضدّ عملنا، فوقفت الحكومة ضدنا لأن في اتحاد النساء قوة، وهنا لا اعني النساء بايلوجياً، لأن كوندوليزا رايس، امرأة بايلوجياً، ولكن في عقلها وفكرها ورأسها فكر جورج بوش، ولدينا 40% من الرجال أعضاء في تضامن المرأة العربية، وهناك رجال متقدمون في مسألة الضديّة من قهر المرأة في الأسرة وضد النظام الطبيعي، وأهم شيء لتخليص المرأة من القهر هو العمل السياسي الموحد للنساء، لأنه لا بد من قوة لأنه لا يمكن قهر القوة بدون قوة.

س/ هل السبب في النظرة التقليدية للمرأة هو الدين أو الأديان بشكل أساس؟
د. نوال: الدين خادم للسياسة حيث لدينا مبدأين في تضامن المرأة العربية، الأول رفع الحجاب عن العقول حتى لا نتصور أن الدين هو ظلمة والدين هو فكر سياسي وهو خادم لها، لأن السياسة هي قوة لما تأتي لتفسير الآيات القرآنية، ترى أن المشايخ يختلفون حول تفسير الآية الواحدة، والتفسير الذي يطغى هو تفسير السلطة، أي التفسير الذي ترضى عنه السلطة والدين وتفسيراته يخضع للسياسة، ولذلك هناك اضطهاد للمرأة اكثر، لأن المرأة هي اضعف الشرائح في المجتمع، ولما تحصل ردّة تحصل ضدّ المرأة.

س/ هناك رأي – يقول إن ما تعانيه المرأة اليوم بسبب المازوخية التي في شخصيتها أي هي بطبيعتها تحب الرجل القوي وتتلذذ بوقوع الألم عليها فماذا تقولين أنتِ؟
د. نوال: هذه كلها تفسيرات خاطئة من اجل خداع العقول، مثلما يقولون على الشعوب العربية أنها شعوب متخلّفة فكرياً، وهي مازوخية تريد حاكماً قوياً وهي تضرب بالعصا، وكما يقولون عن السود في إفريقيا وكيف أنهم يخضعون بالعصا وإن عقل الرجل الأسود هو أقل من عقل الرجل الأبيض، وهم يقولون عن المرأة نفس الشيء، وعقل المرأة أقل وأنها تحب الألم، ولكنه تبرير سياسي لقهر النساء لأن الذي يقهر نصف المجتمع يسيطر على المجتمع، فيجب رفع الحجاب عن العقول كي تتبيّن الحقائق الفكرية.

س: ما هي آخر أعمال الدكتورة نوال السعداوي؟
د. نوال : هي الرواية التي طالب كل من الأزهر والكنيسة بمصادرتها، وذلك لأنهم قالوا إنها تحوي مقاطع ضد الدين والأديان بأكملها فيعني أننا لا نعيش بحرية كما أسلفنا، وإننا نمر بردّة فكر كبيرة.
س: تعاني المرأة العربية اضطهادات كبيرة وغير مشروعة، فما هي الآليات التي من الممكن اتباعها لتخليص المرأة من كل هذه الآلام؟
د.نوال: أنا قلت لك، أن الوعي يكون برفع الحجاب عن العقل، لأن الانسان غير الواعي ممكن أن يضرب صديقاً بدلاً من عدو، فالوعي مهم والوعي يحتاج عملاً ثقافياً في الفكر والكتابة والأدب والتنظيم والوحدة، لأننا شعوب عربية غير منظمة ينقصنا التنظيم والعمل المنظّم مهم جداً، ولابد أن نفهم الاتفاقات بيننا وليس الخلافات، وما يحدث اليوم في العراق على سبيل المثال، هو خلاف بين السنة والشيعة والكرد ويجب أن نكون واعين لهذه المسألة.

س: اعتقد دكتورة أن هذه الآليات هي بحاجة لدعم من قبل الحكومات والأنظمة؟
د. نوال : صحيح ولكن الحكومات تحاربنا وتحارب اتحادات النساء والشباب والعمّال وتزوّر الانتخابات، ويجب أن تعتمد القوى على نفسها وتنظّم نفسها.

س: هل تعتقدين دكتورة، أن هناك نهضة عربية مقبلة؟
د. نوال: طبعاً وهذا هو سر تفاؤلي، فأنا انسانة متفائلة وانتهز فرصة أي بارقة أمل، فالشباب هم الأمل، فأنا اعيش في مصر وهناك ردّة ثقافية وسياسية، وهذه مصر وأمنع من الكتابة، ولكن يزورني العشرات من الشباب، وهم قد فرضوا عليّ النزول في الانتخابات ضدّ مبارك، وأنا قاطعتها ولكن يبقى الأمل موجود لأن فيه القوّة.

س/ ماذا تقول الدكتورة نوال السعداوي لشعب العراق وهو يعيش هذه المحنة؟
د. نوال : أنا أقول إن ما يحدث للشعب العراقي هو شيء خطير، لأن النساء في العراق اللواتي كنَّ ضدّ نظام صدام حسين هن اليوم ضد الاحتلال، ونحن نعرف أن نظام صدام حسين كانت له جرائم خطيرة، فيجب أن يستمر النضال ضد الاحتلال من قبل رجال ونساء العراق، ويجب أن تنتبه المقاومة كي لا يندس في صفوفها أناسٌ يقتلون العراقيين، مع تمنياتي بالخير للشعب العراقي.