رواية يوليسيس..الأسطورة والواقع

Friday 6th of August 2010 04:58:10 PM ,

منارات ,

ولفكانك ايزر
ترجمة د. هناء خليف غني
اطلق جويس على روايته هذه التسمية تيمناً بأسم بطل ملحمة هوميروس على الرغم من عدم ظهور الأخير في الكتاب، إذ تعامل جويس عوضاً عن ذلك مع ثمانية عشر وجهاً مختلفاً ليوم واحد في دبلن، متابعاً في أثنائه ،بالدرجة الاساس، ما يقوم به ليوبولد بلوم وستيفن ديدالس في الفترة الممتدة بين الصباح الباكر وحتى منتصف الليل.

فما العلاقة اذن بين ملحمة الاوديسة لهوميروس والسادس عشر من حزيران، 1904 ؟ تحاول معظم الاجوبة عن هذا السؤال ربط قطبي الرواية هذين بواسطة الأفكار "المجربة والمختبرة" التي تدور حول الظهور المتكرر للنماذج الأصلية او التناظر بين المثالي والواقعي(1) . إذ نحصل على التفسير، في الحالة الاولى، من الطبيعة الدائمة للسلوك البشري الاساسي – ولهذا السبب ، فإن لـ عوليس جذورها الراسخة في الاشياء التي نعرفها سلفاً –
وفي الحالة الثانية ، يدعي التأويل الافلاطوني أن الفكرة الرئيسة في الاوديسة هي العودة الى البيت في حين ان تجوالات بلوم ما هي الا نسخة من العودة الى البيت: وهذا يعني لعوليس التحرر من معاناته، ولكنها، كما يرى بلوم مجرد لحظة حرجة في مسار الرتابة المملة للحياة اليومية. وعلى الرغم من تردد المرء في مناقشة هذه التأويلات التي تعاني قطعاً من خلو عوليس من أية شخصية من شخصيات الاوديسة – وهذا يناقض ما ملاحظ في العديد من النصوص الحديثة التي تكون عودة الشخصيات الاسطورية ثيماً اساسية فيها – كما ان تلميحات جويس المقصودة الى الابطال الهوميروسيين والاحداث الملحمية تعرضهم في ضوء مختلف عن ذلك الذي الفناه في الاوديسة. وتعاني فكرة الديمومة من صعوبات كثيرة هنا لعجزها عن توضيح جوانب معينة من مثل ما الذي يمكن عده مساوياً لشيء آخر؟ ومن يتساوى مع من؟ كما تبرز أعتراضات مماثلة لفكرة التناظر التي تفترض نوعاً من الانحدار من هوميروس حتى الوقت الحاضر . اذ ليس بوسع المرء أن يتصور ان تفاصيل الحياة اليومية في دبلن عُرضت بوصفها انحداراً محزناً لمثالية تأصلت في الماضي . وليس ثمة توازٍ واضح بين الماضي والحاضر . على الرغم من ذلك ، بوسع المرء فهم السبب في الجاذبية التي تمتعت بها نظريات التناظر والديمومة لهؤلاء الذين يحاولون جمع الماضي والحاضر في صورة واحدة ؛ أذ تمكنوا من تقديم وسيلة تنظم فوضوية الحياة اليومية المربكة باحالتها على المعاني المستلة من هوميروس . ويبدو هذا الحل مناسباً نظراً لبساطته ، لكنه غير موفق تماماً من وجهة النظر الجمالية . فقد قال جويس ذات مرة ساخراً من روايته : لقد وضعت الكثير من الاحاجي والالغاز التي ستبقي الاساتذة مشغولين لقرون عدة في مناقشة ما اقصده وهذه هي الطريقة الوحيدة لضمان خلود المرء.
ولو تفحص المرء للحظة هذه العبارة بجدية ، لواجه التساؤل المتصل بالسبب الفعلي الكامن وراء الأهتمام المتواصل بهذه الالغاز ؟
هل لذلك علاقة بطبيعة هذه الألغاز؟ ام بالمتاريس النقدية التي يتمترس خلفها الأساتذة وهم يحاولون حل هذه الألغاز ؟ أياً كان الأمر ، فإن التوازي الذي يشير اليه عنوان الرواية يجبر المرء على رؤية دبلن وهوميروس في حالة توحد، ومرد السبب في ذلك يعود، على نحو رئيس الى تلهف المرء لأستخلاص معنىً ما من العبثية الواضحة للحياة اليومية . ولكن ، ومثلما يحدث في كل الممارسات القسرية، يحول هذا الامر دون رؤية المرء حقائق مهمة: إحدى هذه الحقائق هي الطبيعة الخاصة للقطبين الذين يشكلان اساس الرواية.
وعلى الرغم من خلو عوليس من الشخصيات الهوميروسية وأكتظاظها بعدد هائل من التفاصيل التي يمكن التحقق منها، لا يمكن عدها تصويراً واقعياً للحياة اليومية في دبلن. لقد أدركنا منذ ذلك الحين أن كمية كبيرة من مادة الرواية أستُلت من دليل هاتف مدينة دبلن فضلاً عن المعلومات الطوبوغرافية والصحافة اليومية لذلك العصر، ولذا ، فالرواية زاخرة(3) بثروة مذهلة من الاسماء والعناوين والاحداث المحلية والقصاصات الصحفية ، على الرغم من أنها غالباً ما تؤلف مونتاجاً مجرداً من سياقه في النص. وبينما تتلاشى هذه التفاصيل احياناً في ثنايا العالم الخاص لجويس
الذي لا يمكن سبر أغواره، فأنها تقود القارئ احياناً اخرى في متاهة حقيقية عند محاولته المقارنة بينها . وفي بحثه المتواصل عن الروابط ومحاولته تصورها، غالباً ما يخسر القارئ المبدأ التنظيمي الجامع لتلك الروابط الذي اعتقد انه اكتشفه. ويبدو أن الكثير من التفاصيل قد أقحمت في الرواية فقط لغرض عرضها، وهي تعمل بقصدية يتفاوت وضوحها وبالأعتماد على أهمية اعداد التفاصيل المذكورة على جعل الأحداث في السرد أشد غموضاً.
إن الأثر الذي يتركه ذلك يتسم بكونه ذا طبيعة متناقضة نوعاً ما، فهو مغاير قطعاً للتوقعات التي رسختها الرواية الواقعية في أذهان قرائها. إذ يواجه المرء هناك ايضاً بثروة من التفاصيل التي يراها معكوسة في عالم الخبرة الخاص به . وقد خدم ظهورها في الرواية غرض توثيق صورة الحياة المعروضة(4) . بيد أنها تُحرم الى حد بعيد من أداء هذه الوظيفة في عوليس. وحينما لا تخدم التفاصيل غرض دعم احتمالية وهم الواقع او استقراره ، فأنها تصبح غاية من نوع ما قائمة بذاتها ، على نحو شبيه بذلك الذي يجده المرء في الشكل الفني للكولاج. فالمادة غير المبنية في عوليس
مستمدة من الحياة مباشرة ، ولكن بما أنها لم تعد قادرة على أختبار تصورات المؤلف المسبقة حول الواقع ،لا يمكن عدها تمثيلاً مناسباً للحياة. ولذا، لا تسهم التفاصيل في أيضاح ما هو غامض، وبما أنها لا تفسر شيئاً خارجها، فأنها، ببساطة تعرض نفسها للقارئ، لتدحض بذلك الأعتقاد السائد القائل إن الرواية تمثل واقعاً معيناً. وليس من المدهش اذن ، عودة المرء باستمرار الى العنوان لمحاولة ابتكار – من خلال اللجوء الى الاوديسة – نوعٍ من الاطار المرجعي بمقدوره السيطرة على فوضوية التفاصيل هذه وأسباغ نوع من المعنى والدلالة فضلاً عن أنماط بعينها على الحياة اليومية.
وهنا نجترح احباطاً مزدوجاً لتوقعاتنا: اذ ليست الشخصيات الهوميروسية فحسب هي التي تخفق في الظهور في عوليس، بل تُحرم الكثير من التفاصيل من أداء وظيفتها الاعتيادية. ولذلك ، يتم تُوجيه اهتمامنا الى الطبيعة التذكيرية للرواية . وندرك عندئذ حقيقة أن كل هذه التفاصيل تشكل فائضاً إحتياطياً يعد بما هو أشد تشويقاً من المخططات التنظيمية التي قد تقدمها الرواية لنا. وهكذا فكل قراءة تمنحنا فرصة جديدة لأستدماج التفاصيل وأستيعابها بطريقة مختلفة – وبالطبع، فأن كل شكل من أشكال الأستدماج يؤدي الى بروز نوع معين من التعديل المشكالي للمادة
الفائضة
ومن خلال منح روايته هذه البنية – على نحو واعٍ او غير واع – يساير جويس ميول القارئ وتوجهاته الرئيسة، القارئ الذي وصفه نورثروب فراي بقوله : "ما أن نقرأ شيئاً حتى يبدأ أهتمامنا بالتحرك في أتجاهين في آن واحد، احداهما نحو الخارج او مندفع بعيداً عن المركز حيث نستمر في التحرك خارج نطاق قراءتنا في حالة تنقل متواصل من الكلمات المفردة الى معانيها وهذا يعني، من الناحية العملية، محاولة تذكر الارتباطات التقليدية بينها . أما الاتجاه الآخر فهو داخلي او متجهاً نحو المركز وفيه نحاول ان نستخلص من الكلمات نمطاً لفظياً اشمل ")5 .
(يصطحب هذان الاتجاهان قارئ عوليس في أتجاهات مختلفة تماماً ،متباعدة اكثر منها متقاربة. أذ يكتشف عند قراءته أن الحياة اليومية في دبلن، اذا جاز لنا القول،متنوعة ومتجددة على نحو متواصل كالنهر الذي تفيض ضفافه بأستمرار، عندئذ يسهم تدفق التفاصيل هذا في حث القارئ على محاولة بناء سدود المعنى الخاصة به – على الرغم من حتمية أنهيار هذه السدود في مرحلة ما. كما أن الاحالة المتضمنة في العنوان تبدو قاصرة، أذ تعمل على تقويض عوضاً عن تحقيق آمال المرء في السيطرة على المادة نظراً لعدم صياغة الاطار المرجعي المركزي الذي يرغب المرء في استدلاله من
يوليسيس في أي مكان في النص. تبعاً لذلك، يحصل المرء على ’صور‘ مختلفة بناءً على السؤال الآتي :هل يقرأ المرء الرواية من وجهة نظر دبلن او من وجهة نظر الاوديسة؟. وفي الحالة الاولى، يسهم الأفتقار الواضح لعامل الارتباط بين التفاصيل المتنوعة في تكوين صورة قاتمة حول فوضوية العالم الشاملة، وفي الحالة الثانية، يتسائل المرء عن مغزى عودة عوليس في خضم تغيرات الحياة المعاصرة. تبدو كلتا المقاربتان ضعيفتين نسبياً ، ولذا، توكل الرواية الى القارئ مهمة محددة، هي تقوية هاتين المقاربتين ودمجهما معاً.
بعد نشر يوليسيس، وصف ت. أس. اليوت وعزرا باوند تفاعل القطبين الرئيسين المؤلفين للرواية كل حسب طريقته، وذلك بتوظيفهما صور مجازية مختلفة. في نقاشه لـ عوليس، رأى اليوت في احالات الرواية على التراث مطلباً مهماً ينبغي على جميع الأجناس الأدبية السعي لتحقيقه: " في توظيفه الاسطورة، وفي معالجته البارعة لأوجه التوازي المتعددة بين الزمن المعاصر والقديم ، يتبع السيد جويس منهجاً على الآخرين الألتزام به من بعده. أنهم، بقيامهم بذلك، لن يكونوا محاكين ولن يختلفوا كثيراً عن العالم الذي يوظف اكتشافات اينشتاين في مواصلة أبحاثه واكتشافاته الخاصة
وتطويرها. انها ببساطة وسيلة لضبط وتنظيم فضلاً عن أضفاء المعنى على بانوراما العبث والفوضى المريعة المسماة التاريخ المعاصر وتحديد شكلها"(6) بناءً على ذلك ، تسعى تقنية التوازي الاسطوري الى منح النظام الذي يفترض بالقارئ أستكشافه في أثناء قراءته لأحداث دبلن شكلاً ثابتاً. ولكن هذا لا يعني – بالنسبة لجويس في الاقل – الحكم على الحاضر الفوضوي والملغز وفق معيار النماذج الأصلية الهوميروسية. وسيبدو القول إن التوازي الاسطوري يضع أمامنا نماذج ادراك متنوعة على الرغم من أن ما ندركه لا يتطابق تماماً مع هذه النماذج أقرب الى الحقيقة. وبالطبع ،
فإن الكشف عن الفروق المتعذر اختزالها هو ما يشكل الوظيفة الفعلية للنماذج الاسطورية التي ننظر من خلالها الى العالم الحديث. ان حقيقة عجز هذه النماذج عن أحتواء جميع هذه التفاصيل فضلاً عن دمجها تضفي على المادة غير المتكاملة مقداراً من التوتر الحياتي الضروري لجعلنا نعي وجودها مباشرة. وليست من قبيل الصدفة ان يحيل اليوت على اينشتاين لتوضيح الطريقة التي ينبغي بها تقويم اكتشاف جويس والأفاده منه. ويكتسب التوازي الاسطوري هنا طابع الفرضية التفسيرية ونادراً ما يؤول بوصفه عودة للاسطورة، أنه سيمثل، ببساطة، ذخيرة النماذج التي تخدم
الاستراتيجية الكلية التي يُعرض من خلالها العالم الحاضر .
يكتب عزرا باوند حول الموضوع نفسه قائلاً: تعد هذه التماثلات جزءاً من قروسطية جويس وهي شأنه الخاص اساساً ،أنها السقالة أو وسيلة البناء التي تسوغ ذكرها فقط تلك النتائج المترتبة على أستحدامها. وتكون محصلة ذلك انتصاراً للشكل والتوازن والمخططات الرئيسة فضلاً عن التنوع المتواصل في البنية السردية "(7) ، ولا يرى باوند في التماثلات الاسطورية سوى شروط اساسية مسبقة لبناء الرواية – أي وجود الواح البناء الخشبية حول هيكل المبنى المراد نصبه - ولكن الرواية ذاتها ليست حاصل جمع المتطلبات الاساسية ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، اختزال مكوناتها
الى هذا الحاصل فحسب. فضلاً عن ذلك، فأن شبكة التماثلات الاسطورية لا تشكل في نهاية الأمر سوى أطار للعرض، وما يمتاز به هذا الأطار من وضوح في الرواية معد لجذب الانتباه الى نواحي القصور الكامنة في هذه النماذج التنظيمية وأشباهها. ويطبق هذا بمقياس متساوٍ على النماذج الأصلية القابلة للتمييز ولكن السؤال الذي يبرز بألحاح فيما بعد هو ما الغاية من تسليط الضوء على نواحي القصور هذه وما الذي تسعى لتحقيقه ؟
وظيفة التجارب في الاسلوب
تبين الرواية المكتوبة بعدة أساليب متباينة أن وجهة النظر التي يعبر عنها كل أسلوب ما هي سوى وجه واحد محتمل لحقيقة الحياة اليومية. ويؤدي تراكم الأوجه الى تحويلها الى ما يشبه الإيحاء للقارئ بالطريقة الأمثل التي تمكنه من رؤية الواقع. جدير بالملاحظة هنا أن المنظورات التي تعرضها فصول الرواية تندمج وتتداخل وتتجزأ بل وحتى تتصادم على نحو مفاجئ، ويؤدي هذا قطعاً الى أرهاق القارئ ومواجهته لصعوبة كبيرة في تلمس طريقه وسط كثافة شاشة العرض والمونتاج المضطرب وتداخل المنظورات فضلاً عن دعوته إلى تفحص أحداث متماثلة من عدة وجهات نظر متضاربة.
وترفض الرواية الأفصاح عن السبيل الأمثل للربط بين تداخل المنظورات هذا، ولذا يضطر القارئ الى توفير حلقات الربط خاصته. وهذا يفضي حتماً الى نتيجة مفادها تحول القراءة الى سيرورة يتولى خيال القارئ تحديد معاييرها. يعرض نص عوليس فقط تلك الظروف التي تجعل تصور العالم اليومي ممكنه، ويعمل كل قارئ على أستغلال هذه الظروف بطريقته الخاصة.
مم يتالف انجاز صيغ العرض المختلفة؟ أولا، بوسع المرء القول أنها توفر شكلا من المشاهدة مؤطر لبنية الإدراك ذاتها، لأن لدينا خبرة العالم الذي يفهم لا بوصفه نسقا للعلاقات التي تقرر كل حدث، بل كشمولية منفتحة تركيبها لا ينفد … ومنذ اللحظة التي تدرك فيها هذه الخبرة (أي الانفتاح على عالمنا الواقعي) بوصفها بداية للمعرفة، لن تكون هناك أي طريقة للتمييز بين مستوى الحقائق السابقة والواقعية، وبين ما ينبغي ان يكون عليه العالم وما هو عليه في الواقع (58). ونظراً لتفرعاتها غير المتناهية، تحول الأساليب المختلفة في عوليس دون ظهور أي معنى على وشك
التكامل، بيد أنها تشكل نموذجاً للمشاهدة ينطوي على إمكانية التوسع المتواصل. هذه الوفرة المذهلة للمنظورات هي التي تعبر عن ثراء العالم موضوع المشاهدة وتنوعه.
يتسم الأثر الذي يتركه هذا التغير المستمر بالديناميكية وسعة الأفق فضلاً عن عدم تقيده بأي غائية قابلة للإدراك. أذ يخضع ’أفق‘ الحياة اليومية للتعديل من فصل إلى أخر ويتحول من مجال إلى آخر بواسطة حلقات الوصل التي يحاول القارئ أنشائها بين أساليب الفصل. ويهيئ كل فصل ’الأفق‘ للفصل الذي يليه وسيرورة القراءة هي التي تضمن التداخل والتنا سج المستمر لوجهات النظر التي تقدمها الفصول. فالقارئ يُنبه هنا لملء ’المساحات الفارغة‘ بين الفصول لتجميعها في وحدة كلية مترابطة. تتمخض هذه السيرورة عن النتائج الآتية: خضوع تصورات الحياة اليومية التي
يكونها القارئ لتعديلات مستمرة في سيرورة القراءة. ويوفر كل فصل مقدار معين من التوقعات ذات الصلة بالفصل القادم. أما الفجوات اللاتحديدية التي تنشأ بين الفصول فتميل الى التقليل من أهمية هذه التوقعات بوصفها وسائل لتوجيه القارئ. وبتواصل السيرورة؛ يميل أثر ’التغذية الاسترجاعية‘ الى التطور، أذ يتبلور الفصل الجديد ويمتد متصلاً بالفصل السابق الذي يخضع بموجب هذا الانطباع الجديد وغير المتوقع إلى حد ما لتعديلات أخر في ذهن القارئ. كلما تعرض القارئ لهذا الأثر، تكون توقعاته أشد حذراً واكثر قدرة على التمييز نظراً لنشوئها بفعل أدراكه
الواضح للنص. لذا؛ يعمل ما قرئ للتو على تعديل ما قرئ سابقا، وعليه، فالقارئ يؤدي بنفسه وظيفة ’دمج الافاق‘ التي تمكنه من إنتاج خبرة الواقع الذي يعود السبب في كونه حقيقيً تحديداً الى حدوثه من دون الخضوع لأي وظيفة تمثيلية. تبعاً لذلك، فالواقع هو سيرورة ادراك تستلزم أشتراك القارئ بها لانه وحده له القدرة على أحداثها. وهذا هو السبب في أن ترتيب الفصول لا يتخذ شكل سلسلة من المواقف التي ربما تكون مكملة لبعضها الآخر؛ وفي الواقع، يبدو الفرق اللامتنبأ به للاسلوب وكأنه يجعل كل فصل نقطة تحول مقابلة للاستمرار. وبما أن الرواية تتألف من نقاط
تحول كهذه، تكشف سيرورة القراءة عن نفسها بوصفها تعديلا مستمرا لمجمل التصورات السابقة، مما يعني قلباً للبنية الغائية التقليدية للرواية.
جزء من دراسة مطولة بعنوان
أنماط التوصيل في رواية عوليس لجيمس جويس