حميد المطبعي والثقافة العراقية.. حشدٌ من المبدعين العراقيين في عدد من الموسوعات

Wednesday 7th of March 2018 06:28:06 PM ,

عراقيون ,

رزاق إبراهيم حسن
يعاني حميد المطبعي منذ سنوات عدداً من الأمراض التي جعلته حبيس بيته، إذ لا يستطيع التنقل من مكان الى آخر، ولا يستطيع مقاومة الأمراض الجسيمة، وهو يعاني من عدم القدرة المادية على المداواة والعلاج، والمطبعي لمن لا يعرفه من الأدباء الذين خدموا الثقافة العراقية الوطنية، ومن الذين عاشوا أعمارهم في اطار هذه الثقافة ومع أن المطبعي كان أديباً،

يتوخى الإسهام الفاعل في الحركة الأدبية، إلاّ أنه في أهم مشاريعه الثقافية يبدو وكأنه يقدم مشاريع ثقافية وطنية، ذات توقيت جيد مناسب، ذات تخطيط ملائم للعلاقة بين السياسة والثقافة.

ولعل مشروع مجلة (الكلمة) من أبرز هذه المشاريع، إذ صدرت خلافاً للقانون الذي كان سائداً، لتؤكد بهذا الصدور ضرورة تغيير هذا القانون بما يحرض على الإبداع، ويكون دافعاً للتطور والتجديد، حيث التزمت المجلة جيل الستينيات الذي يعدُّ من الأجيال العراقية المتمردة في تاريخ الأدب العراقي، وربما يعدُّ من أبرز وأهمّ هذه الأجيال.
ولم تكن المجلة عند صدورها مستوفيةً للشروط القانونية، وبعيدة عن ملاحقة السلطة، فقد صدرت أول الأمر كمجلة ثم اضطرت إلى أن تصدر بصيغة حلقات أدبية، أي أنها تصدر بصيغة أجزاء أو حلقات من كتاب.
ومما هو لافت للأنظار أن المجلة لم تكن كشكولاً، ولم تكن بلا هوية وأهداف، وإنما صدرت بكونها تلمّ بالأدب الحديث، وتفتح أبوابها لكل المبدعين، ومن مختلف الأجيال والتيارات، ومثل هذا التعريف يثير ريب وشكوك السلطة خاصة وأن المجلة صدرت في الستينيات، حيث كانت هذه الأوصاف مريبة، وكانت جديدة على الساحة الثقافية العراقية، كما أن الظروف السائدة آنذاك كانت وريثة المراحل السابقة، حيث يعدُّ الكتاب مثيراً للتهم والشبهات، ودافعاً لإلقاء القبض والاعتقال، ووصف الفاعل على أنه من ذوي السوابق، ومن الذين تتوجب مراقبتهم وتعريضهم للاعتقال في كل مناسبة يحصل فيها تغيير معين، وتكون معرضة لاحتمالات معينة، وكان حميد المطبعي من الشخصيات التي عرفت بدور سياسي معين، وكان، سابقاً، قد أصدر منشورات وكراسات صغيرة منحازة لجهة معينة، ومن جهة أخرى كان يتولى تنفيذها، ويتولى بيعها وتوزيعها، وكان يهتم بإيصالها إلى المبدعين العراقيين ولأغلب الأدباء العرب في أغلب الأقطار العربية، وإيصالها إلى المستشرقين، وذوي الآراء والاجتهادات من العرب والأجانب، حيث كان كل عدد يثير موجات من النقاش والاختلاف وكانت مجلة الكلمة رغم تواضع شكلها الفني قد تمكنت في ظروفها أن تكون مركزاً مهماً لاستقطاب الأدباء العراقيين والعرب، ولأن تسد الفراغ الثقافي الناتج عن عدم وجود مجلة معنية بالأدب الحديث، وبالرغم من مرور سنوات طويلة على توقفها عن الصدور، إلا أنها لا تزال تواصل تأثيرها، وتذكر بدور ريادي، كما تذكر من خلال جميع الدراسات والمقالات عن أدب وثقافة الستينيات وإذ يرجع القارئ إلى مجلة (الكلمة) ايام صدورها، فإنه يلاحظ أنها رغم تواضع نوعية ورقها، وغلبة هذا الورق على صفحاتها إلاّ أنها كانت تصدر بلمسات فنية مبتكرة وجديدة تجعل منها أكثر إنارة واستقطاباً. وأكثر جذباً للقرّاء، وكانت إضافة إلى ذلك تهتم بإبراز السلبيات والعيوب في الوسط الثقافي، وتطرح البديل عن ذلك، ولم تكن مجلة (الكلمة) نتاج الأبراج العاجية، ونتاج الترف والأموال الكثيرة، وإنما كانت تستند إلى المقاهي وأدباء مقاهي النجف، وكانت ذات توجه ثوري متمرد، وهي بدأت من المقاهي وتواصلت معها، الأمر الذي جعلها مع التجديد والفقراء، وجعلها صوتاً لكل أديب متمرد، ولكل الأدباء العصاميين، الذين لا يملكون غير كتاباتهم، وغير ما تنتج أصابعهم من إبداع.
ولم تقف (الكلمة) عند هذه الأدوار المهمة والكبيرة، وإنما جمعت بين الدور السياسي والثقافي، وعززت من خصائصها وسماتها الوطنية إذ جمعت بين المثقفين العراقيين من مختلف والانتماءات الادبية والسياسية والفكرية، وكانوا يعانون من الصراعات والصدامات الدموية التي حصلت بين البعثيين والشيوعيين أوائل الستينيات، حيث كانت هذه المبادرة من ابرز عوامل قيام الجبهة الوطنية التي جمعت بين التيارات المتصارعة، وكانت استجابة قوية لإسقاط وتجاوز ما حصل من صراعات دموية. واستجابة ضرورية لتجاوز هذه المراحل، والجبهة الوطنية تكاد أن تكون إطاراً سياسياً لما حصل من علاقات ثقافية ومن حوارات ثقافية في مجلة الكلمة.
والحقيقة أن الجميع بين مثقفي الأحزاب والقوى السياسية، هم مشروع من مشاريع حميد المطبعي الثقافية، وقد انهار هذا المشروع بسبب عدم اشراك المثقفين فيه، وبسبب المصالح والمكاسب السياسية واستفراد حزب واحد بالسلطة، وتعريض الأحزاب الأخرى إلى الملاحقة والاعتقال، رغم أنه مؤهل للاتساع والاستمرار.
وقد واصل حميد المطبعي اسهامه في الثقافة الوطنية من خلال تنفيذ مشروع الجذور الذي يضم تحقيقات ودراسات ومقالات لشخصيات مهمة من جميع الطوائف والمكونات من الشيعة والسنة، ومن الكرد والمكونات الأخرى، وهذه الموسوعة المهمة قدّمت شخصيات تصلح نماذج للعمل الوطني العراقي وتصلح لأن يُدرس هذا العمل من خلالها، وقد اختارها المطبعي على أنها رغم كثرتها إلاّ أنها تمثّل الثقافة العراقية في مختلف نماذجها ومكوناتها، وإنها عملت من اجل وحدة وثراء هذه الثقافة أيضاً.
وبعد هذه الموسوعة الكبيرة، وجد المطبعي أن العراق لا يتمثل بما نشر في مجلة (الكلمة) وما قدّم في موسوعة جذور، إنما يتمثل بآلاف الأشخاص الذين برزوا في مجالات أخرى، كالطب والهندسة والأدب والإعلام والتعليم وعلم النفس والاجتماع والتاريخ والجيش والشرطة ورؤساء العشائر وأصحاب المعامل والمصانع والترجمة وغيرها، حيث قدّم تعاريف عن مئات الشخصيات في الثقافة..
وقد واصل حميد المطبعي مشاريعه الثقافية الوطنية بإنجاز جزئين كبيرين من كتاب موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين، وقد جاءت تتويجاً لعمله في مجلة (الكلمة) و (جنور)، وتوسيعاً لهذين المشروعين، وتجسيداً لفهم المطبعي للثقافة الوطنية على أنها مجموع كل العراقيين، وإنها وحدة وتاريخ ومستقبل العراق، مع مزيد من المشاريع، ومع مزيد من إرادة البناء والتقدم.
إن مشاريع حميد المطبعي الثقافية لم تكن مطروحة للتنظير لما هو عابر ومؤقت، ولا لمن يدفع من السياسيين والتجّار ولمن يريد أن يظهر بمظهر العراقي الأصيل، وهو غير ذلك، وإنما جاءت هذه المشاريع استجابة لكل عراقي أصيل، ولأنها عراقية أصيلة، فمع أن المطبعي طرح هذه المشاريع دون اعلام مواكب لها، ومساندة لبرنامجها ولأهدافها، إلا أن الذين حملت اسماءهم يتفوقون من حيث العدد على اسماء اعضاء أيّ حزب سياسي، ولعلهم جاءوا طوعاً لحميد المطبعي لكي يضع اسماءهم في هذه الموسوعات التي تعدُّ من أهم المعاجم في تاريخ ما يماثلها من معاجم الأسماء، وهي في كل الأحوال مطروحة لمن يريد الاستفادة منها، وتقديم ما يتصل بها من مشاريع خالصة للثقافة الوطنية.