عندما اعلنت (الزنكينة)سارة خاتون افلاسها

Sunday 14th of January 2018 05:53:45 PM ,

ذاكرة عراقية ,

نجيب الصائغ
سارة اوانيس اسكندر المعروفة في الأوساط البغدادية باسم (سارة الزنكينة) او (سارة خاتون) كما يحلو لبعضهم ان ينعتها، كانت تعتبر من أغنياء العراق المشهورين لما تملكه من عقارات واسعة و شاسعة في عدة مواقع من بغداد احدها (كمب سارة) كما لها مقاطعات زراعية كبيرة في اغلب المدن العراقية ورثتها عن أبيها وزوجها إلا إنها لسوء تصرفها بهذه الاملاك الكبيرة وعدم تبصرها بعواقب الامور فقد وضعت ثقتها بسماسرة واشخاص مستغلين طامعين في ثروتها

فقد كانوا مستعدين لاقراضها المبالغ التي تحتاج اليها – وما اكثر ما كانت تحتاج – لقاء فائدة عالية جداً ويرهن احد عقاراتها او مزارعها بحيث عند استحقاق اجل تسديد الدين وعدم تمكنها من ذلك يعمد الدائن الى بيع المرهون حيث يتملكه بمبالغ تقل كثيراً عن قيمته الحقيقية (ان كيفية تملك دارها في المسبح وتملك مقاطعة الدبوني الشهيرة في الكوت ومن تملكها معروفة لدى المطلعين في العراق).

يضاف الى ذلك تبذير ابنها الوحيد المدعو (برسي) والمقيم في اوروبا بحجة الدراسة وطلباته المستمرة بتزويده بمبالغ كبيرة لينفقها على ملذاته وسفاهاته وعندما تكون المبالغ المطلوبة غير متوفرة لديها تعمد الى الاستقراض من مرابين جاهزين ومحيطين بها دائما بفائدة عالية جداً وبضمان رهن ملك كما هو موضح في مقدمة هذا الكلام.
اعتادت سارة ان توكلني في اغلب الدعاوى التي تقيمها او تقام عليها منذ سنة 1942 وفي اواخر هذه السنة طلبت إليّ اقامة الدعوى على ابن عمها (هايك) الذي يدير ويتصرف بالمقاطعة المسماة عنانة الواقعة في مدينة الحلة والتي تملك اسهماً فيها مطالبة ببدل حصتها الذي قدرته بمبلغ 1500 دينار وسبب اقامتها هذه الدعوى هو خصوصيتها مع ابن عمها وكرهها الشديد له ورغبتها في الحاق الضرر به مهما يكلفها ذلك من مصاريف.
دفعت لي 150 ديناراً كمقدمة اتعاب محاماة حيث ان الدعوى تقام في محكمة الحلة، اقمت الدعوى في محكمة بداءة الحلة وكانت مؤلفة من ثلاثة حكام وكان رئيسها انكليزيا على ما اتذكر. وحضر المحامي سلمان الشيخ داود وكيلاً عن المدعى عليه. قررت المحكمة تاجيل الدعوى لأجل انتخاب ثلاثة خيراً لتقدير البدل المطالب به.
وقبل ان يأزف موعد المرافعة راجعتني سارة قائلة ان وكيل مايك سلمان الشيخ داود من نافذي الكلمة في هذه الايام وهو صديق للانكليز لذلك ارغب بتوكيل المحامي نجيب الراوي الذي له نفوذ وصلة بالمسؤولين وبالانكليز ليقف تجاه سلمان الشيخ داود. فقلت لها أن لا حاجة لذلك حيث أن موضوع الدعوى أصبح متوقفاً على تقدير الخبراء الذين ستعينهم المحكمة. فأجابتني لأجل أن اطمئن من نتيجة الدعوى ارغب في توكيله معك علما بان أجورك لا تتأثر بتوكيله. تجاه إصرارها وحيث أن نجيب الراوي صديقي اتصلت به هاتفيا وطلبت حضوره لان سارة تنتظره، فلما جاء وشرحت له موضوع الدعوى وقرار المحكمة بتعيين الخبراء وافق على التوكل ارتاحت سارة لذلك وسلمته صكاً بمبلغ 150 ديناراً مقدمة أتعاب المحاماة.
وفي الموعد المحدد للمرافعة ذهبنا الى الحلة نجيب الراوي وأنا وسارة بسيارتها وأعلمتنا المحكمة بانتخاب خبراء ثلاثة معروفين بالكفاية والاستقامة كان احدهم عبد الرزاق مرجان ولا أتذكر الآخرين.
ذهبنا مع هيئة المحكمة والخبراء والمدعى عليه ووكيله الى موقع المزرعة، فلما تجول الخبراء في ارجائها واطلعوا على اوضاعها وظروفها وغير ذلك اعدوا تقريرهم وعند عودتنا الى المحكمة سلموا التقرير وكان مضمونه ان ما تستحقه موكلتنا مبلغ قدره 600 دينار بدلا من الالف والخمسمائة دينار المطالب بها فسجلنا بعض الملاحظات والاعتراضات ثم عدنا الى بغداد وكانت سارة متاثرة من قرار المحكمة لا بسبب المبلغ المحكوم به بل لانها اعتبرت ان القرار صدر لصالح هايك واتفقنا معها على تمييز القرار.
وقبل تنظيم اللائحة التميزية راجعتني سارة قائلة: ان داود الحيدري قد اصبح وزيراً للعدلية وهو صديق نصرة الفارسي ونسيبه لذلك ارغب في توكيله ليشترك معكما في التوقيع على اللائحة التميزية.
قلت لها لا يوجد مبرر لطلبك هذا اذ ان نصرة الفارسي لا يقدم على مفاتحة صديقه وقريبه وزير العدلية في موضوع اية قضية مهما كانت مهمة ولو فرضنا انه سيفعل ذلك فان وزير العدلية لا يمكن ان يفاتح حكام محكمة التمييز في قضية مثل هذه يضاف الى ذلك حتى انه لو اقدم على مفاتحتهم فانهم لا يستجيبون له ان كان الطلب باطلاً.
ورغم ذلك فان سارة اصرت على توكيل نصرة وهو ايضا صديقي فخابرته قائلاً ان سارة في مكتبي وهي ترغب في توكيلك في قضية فحضر نصرة وشرحت له موضوع الدعوى والمرحلة التي وصلت اليها واخبرته باننا اتفقنا على تمييز قرار محكمة بداءة الحلة وان سارة ترغب باشتراكك في تنظيم اللائحة التميزية فوافق نصرة فقدمت له سارة صكاً بمبلغ 150 ديناراً كمقدمة اتعاب المحاماة.
نظمنا اللائحة التميزية طالبين نقض قرار محكمة البداءة لوجود بعض الاخطاء عند تعيين الخبراء، ثم ان الخبراء بالاسلوب الذي اتبعوه اثناء الكشف والتقدير لم يتمكنوا من الوقوف على الوارد الحقيقي للمزرعة.
صدقت محكمة التمييز قرار محكمة البداءة وبذلك تكون سارة قد صرفت على هذه الدعوى بين اتعاب محاماة ورسوم واجور خبراء ومصاريف سفر مبلغاً يزيد على المبلغ المحكوم به كل ذلك بسبب كرهها لابن عمها هايك ورغبتها في ازعاجه والحاق الاذب به بصرف النظر عما يلحقها جراء ذلك من نفقات وخسائر.
هذا نموذج بسيط عن تصرفات سارة التي ادت بالنتيجة الى افلاسها في اواخر ايام حياتها بحيث بعد وفاتها تبرع لها بعض معارفها بنفقات التشييع والدفن وغيرها.

عن كتاب (ذكرياتي في المحاماة)