مرثية عبد الجبار عباس .. كم أحببتها! لا الطيور عادت، و لا عبد الجبار.

Wednesday 15th of November 2017 05:51:21 PM ,

عراقيون ,

عائد خصباك
كان عبد الجبار عباس مشغولا بكتابة ملاحظات على حاشية ديوان”أفاعي الفردوس”للشاعر الرومانتيكي الياس أبو شبكة فأخرجته عن انشغاله أصوات نزلت من الأعالي، عادت الأصوات و تكررت : غاق غاق غاق. هب عبد الجبار الى الشباك فتحه و نظر محاولا العثور على مصدر الصوت.

تعالى صوت الأطفال و كانوا يلعبون في الزقاق تحت شبّاكه، نادى الأطفال سرب الطيور : يا غراب يا غراب / حاج علي غاب/ بفلسين كمون / سبع رارنجات / عالـ نغ نغو / علـ نغ نغو / و الله لا اشيلو و ارطخو / فصاح عبد الجبار فرحا : الطيور المهاجرة عادت من جديد.
ارتدى ملابسه على عجل و ما نسى معطفه الكحلي، نزل الدرجات الى دراجته و كانت في ركن من ساحة البيت، اخذها فنادته أمه : الى أين؟ قال : أمي، انها الطيور المهاجرة، أما سمعت؟
سأل عبد الجبارالأطفال في الزقاق عن مسارها فأشاروا بأصابعهم الصغيرة الى حيث تابعت طيرانها، نظر فما كان هناك غير شمس العصر، قد خفّ لونها فبرد الجو قليلا.
انطلق عبد الجبار بدراجته، عين على الطريق و بالعين الأخرى فتش في السماء فما عثر على أثر، لكن أصواتها وصلت، غاق غاق غاق، كان الصوت قريبا بعض الشئ.
و عندما لاح له سرب الطيور بعيدا انحنى على المقود أكثر ضاغطا على دواستي الدراجة بما ملك من قوة و عند أطراف المدينة مال سرب الطيور الى اليسار فمال معه مبتعدا عن الشارع الرئيس.
قاد عبد الجبار دراجته على حافات حقول ما وصل اليها من قبل فما لحق بالسرب وبعد دقائق تلاشت الاصوات، تلاشت تدريجيا.
* * *
بعد سنوات عندما عبر سرب الطيور المهاجرة سماء بيته، لبس عبد الجبار معطفه الكحلي و ركب دراجته و تبع نداء قلبه كما فعل ذلك من قبل، و عند أطراف المدينة مال السرب الى اليسار فمال معه، و بما ملك من قوة ضغط بقدميه على الدواستين، تبع السرب و تبعه، في ذلك الوضع أحس عبد الجبار أن جناحين نبتا على جانبيه فخفق بهما مرة و مرتين و أكثر فارتفع، نزع معطفه الكحلي و طوّح به في الهواء ليخف ثقله فاقتربت المسافة بينه و بين نهاية السرب و غاب عن الأنظار أخيرا.
ربما في العام القادم يأتي عبد الجبار مع سرب الطيور المهاجرة، من يدري!

نشرت بمدونات الناقد عبد الجبار عباس