عبدالرحمن الشرقاوي شاعر الفلاحين ومؤرخ الأنبياء

Tuesday 26th of September 2017 05:54:42 PM ,

منارات ,

د. جابر عصفور
كاتب ومفكر مصري
من الشعر إلى الرواية، ومن الرواية إلى المسرح الشعري ثم الغوص في بحور التاريخ الإسلامي. هذا هو الشاعر عبدالرحمن الشرقاوي (920 1- 1987) الذي لم يكتف بالكتابة والإبداع ولكن كان له أيضاً دوره السياسي والثقافي على المستوى القومي والعالمي.

إن كل إنجاز عبدالرحمن الشرقاوي في الكتابة لا يختلف عن إسهامه في العمل العام، فكلا الأمرين ينطلق من وعي متيقظ والتزام أصيل بقيم الحق والعدل والحرية والتقدم. وإذا كانت هذه القيم هي التي جسدتها كتاباته، منذ بداياتها في النصف الثاني من الأربعينيات إلى نهايتها قبيل وفاته، فإن هذه القيم، بدورها كانت الهدف الأساسي المحرك لنشاطه العام، والموضوع الذي لا يغيب في كل معاركه الصحفية التي خاضها، وقيمة الحرية بوجه خاص قيمة عزيزة عليه، لأنها القيمة الأولى التي تفتح عليها وعيه الإبداعي، حين أدرك غيابها على المستوى الفردي الخاص للمواطن، وعلى المستوى الجمعي العام للأمة.

وإذا كان المستوى الأول يؤكد الحرية في معناها الذي يؤسس لإبداع الفرد وانطلاقة تفكيره دون عوائق أو قيود فإن المستوى الثاني يؤكد هذه الحرية في معناها الوطني والقومي، ولهذا المعنى الثاني دلالته في وعي الشرقاوي الذي فتح عينه الإبداعية على وطن محتل، لا حرية لأبنائه فيه لأن الوطن نفسه كان محروما من حريته في تقرير مصيره. وشأن الوطن الذي انتمى إليه الشرقاوي شأن كل الأوطان العربية في الثلاثينيات التي شهدت بداية تفتح الوعي، وفي الأربعينيات التي شهدت بداية الكتابة الإبداعية التي أثمرها هذا الوعي، ولذلك يلحظ المتأمل للكتابات الأولى لعبدالرحمن الشرقاوي، تلك التي كتبها في الأربعينيات، قبل قيام ثورة يوليو 1952 بسنوات عديدة، أن هذه الكتابات تدور حول قيمة الحرية، وتعلي من معناها الوطني فوق كل معني، والشرقاوي نفسه يسجل هذا الجزء من حياته شعراً في بطاقة تعريف بنفسه يقول فيها:

"... أنا.. من أنا..؟!
ولدت لعشرين عاما مضت على مطلع القرن يا سيدي
وقد فرغ العالم المستجير من الحرب آمنا:
يهزأ بالموت والتضحيات
وبالذكريات.
وقامت شعوب تهز الظلام بمشرق أحلامها الهائلة
وتعلي على خربات الفساد بناء مدينتنا الفاضلة
فلما بدأت أعي ما يقال رأيتهم يملأون الطريق
تهز الفئوس ركود الحقول وتغلي بما تحتويه
العروق
وكانوا يقولون:”يحيا الوطن"
حفاةٌ يهزون ريح الحياة
ويستدفعون شراع الزمن
وساءلت أمي عما هناك:
"وماذا دهى القرية الساكنة"
فقالت:”بنيّ هم الإنجليز
يثيرون أيامنا الآمنة
وقد أخذوا كل غلاّتنا.. وقد
نضب الماء في الساقية ولم يبق شيء
على حاله سوى حسرة مُرّة باقية".

هذا الجزء الشعري يحمل قيمة أخرى عزيزة، مرتبطة بأحلام هؤلاء”الحفاة”الذين يصنعون المستقبل، ويهزون بالفئوس ركود الخيول، وهي قيمة العدل التي اقترنت بالحرية في وجدان الشرقاوي في مطلع الصبا، فكان دفاعه عن حرية الفرد والوطن قرين دفاعه عن العدل الذي يجب أن يناله الفرد في وطنه، حين يأخذ حقه في الحياة الكريمة، والعدل الذي يجب أن يناله الوطن بين الأمم، حين يأخذ حقه في الاستقلال بين العالمين.
هؤلاء”الحفاة”الذين تحدث عنهم الشرقاوي هم موضوعه الأثير وانتماؤه منذ أن غادر قريته”الدلاتون”قادماً إلى القاهرة. وكما كان طه حسين ينتمي إلى”المعذبين في الأرض”في الصعيد، ظل الشرقاوي ينتمي إلى”الأرض”و"الفلاح”في قرى الدلتا. وحتى عندما سلط عدسته الإبداعية على القاهرة فإنه لم ير منها القصور والطبقة العليا التي سلط عليها قرينه إحسان عبدالقدوس عدسته، كاشفاً عن انحدار طبقة بأكملها، وإنما ظل الشرقاوي مخلصاً لمبتداه، فلم يتحدث إلا عن”الشوارع الخلفية”التي يخرج منها الهامشيون الذين سرعان ما يتحولون إلى أبطال يستدفعون شراع الزمن. ولأن الشرقاوي ظل مخلصاً لانتمائه الأصلي فإن قضية”الفلاح”ظلت الهاجس الإبداعي المؤرق له. بدأها شعراً حين فرض على قالب القصيدة العربية أن تتسع لحوار الفلاحين وأحلامهم، وانطلق من الشعر إلى القص، فخلق رائعته”الأرض”التي كتبها في جريدة المصري قبل أن تصدر في كتاب عام 1954، ثم عاد إلى الموضوع نفسه بعد عام 1967 ومع تيار تصفية الإقطاع حين كتب”الفلاح”(وطبعها عام 1968). والواقع أن صفة”الفلاح”هذه لم تفارق مسرح الشرقاوي، فالفتى مهران”فلاح”من نوع آخر، ينتمي إلى الأبطال”الحفاة”الذين يتألقون في تاريخ الأدب. وأحسب أن حرص الشرقاوي على إبراز قضية”الفلاح”في أدبه هو الذي دفعه إلى نوع من أنواع المعارضة الأدبية، وكان أحد العوامل الدافعة إلى كتابة رواية”الأرض". ومن يقرأ الصفحات الأولى من الرواية يجد البطل يتحدث عن قريته، ويؤكد أن الواقع في قريته، وفي كل القرى المصرية، يختلف عن واقع القرية (الخيالية) التي تحدث عنها محمد حسين هيكل في روايته”زينب”، فعلاقات القرية مختلفة: لغتها ولهجتها، مشاكلها وأحلامها،”وصيفة”التي يرى فيها البطل نموذجا لفتاة القرية ليست كزينب على الإطلاق، وبدل الجو الحالم الذي تقدّم فيه”زينب”يظهر الجو القاسي الواقعي الخشن الذي تتحرك فيه”وصيفة"، ولا تموت وصيفة كما تموت زينب بالسل، ضحية العشق والظروف القاسية والتقليد الأدبي، بل تدب في أرض القرية وتتبدل بها الأحوال، ولكنها تظل صلبة كالفأس، تتقب ل التغير والتحول والظلم والإنكار، لكن دون أن تفنى أو تتبدد.
الفلاحون من”زينب”إلى”الأرض"

ومن الممكن القول إن رواية”الأرض”هي معارضة ساخرة لرواية”زينب”على المستوى اللا شعوري للنص الذي يريد أن يستبدل بقيمة أدبية قيمة أدبية مناقضة، وينسق من الأعراف نسقاً آخر مغايراً. هكذا استبدلت”الأرض”بالقيمة الرومانسية التي تنطوي عليها”زينب”القيمة الواقعية، واستبدلت بالنسق العلائقي من آليات الكتابة وأعراف التلقي وطرائق الكلام والتلفظ نسقاً مناقضاً، حلت فيه الكتابة التسجيلية للواقع محل الكتابة الوهمية عنها، وتأسست أعراف جديدة للتلقي تعتمد على خبرة المعاينة، وتجسدت طرائق واقعية في الحوار العامي ولغة السرد وصور الوصف فتحت السبيل إلى تقديم أدب واقعي جديد عن الرواية المصرية، وأنا لا أستخدم عبارة”أدب واقعي جديد”على سبيل البلاغة اللفظية، وإنما أشير بها إلى شعار ساد في مطالع الخمسينيات وظل/ مستمراً إلى منتصف الستينيات، حين كانت الطليعة الأدبية العربية تتطلع إلى”أدب واقعي جديد".

ولذلك رحب الجيل الجديد من المدافعين عن الواقعية الجديدة بأعمال الشرقاوي، وكتب عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم عن”الأرض”بوصفها البداية الحقيقية للأدب الواقعي المخلص الذي يجسد طليعة القوى الصاعدة في المجتمع، ويتطلع إلى مجتمع جديد يتحرر من سلاسل الظلم القديمة. وفي الوقت الذي نظر الاثنان إلى نجيب محفوظ بوصفه كاتب البرجوازية الصغيرة، على نحو ما نقرأ في كتابهما”في الثقافة المصرية"، فإنهما نظرا إلى”الأرض”للشرقاوي بوصفها النموذج الواقعي الواعد الذي يجاوز الوعي الضيق للبرجوازية الصغيرة وانهماكها في عالمها المديني المحدود. وتلقت الرواية أصداء مماثلة من حسين مروة ومحمود دكروب في الشام وغيرهما من المتحمسين للواقعية في الأقطار العربية التي كانت تموج بالحركات الثورية، والتي كانت تصل بين قضية التحرر الوطني والعدل الاجتماعي في حلم واحد لا ينقسم.
ولا جدال في أن مقارنة بسيطة بين”زينب”و"الأرض”لا بد أن تكون في صالح”الأرض”من ناحية المضمون الاجتماعي الذي يرتبط بعدالة توزيع المياه، وعدالة توزيع الثروة، ويجسد أشكال الاستغلال التي يوقعها كبار الملاك على صغارهم، وكيف يقع صغار الملاك أسرى لفساد الإدارة الحكومية التي تبدأ من العمدة وشيخ الخفر وتنتهي إلى أعلى سلطات الدولة مع تزوير الانتخابات. وإذا كانت”الأرض”تؤكد قيمة الملكية، من حيث علاقتها ببنية القيم، حيث الذي لا أرض له”لا عرض له”فيما يقول الأبطال، فإن هذه القيمة تكشف في صراعها مع بقية القيم في الأثر المفسد للمال في أخلاق القرية، خصوصاً حين تبدو الأجهزة الحكومية خاضعة لمن بيده مال.
وهناك وجه مغاير للشبه بين روايتي”زينب”و"الأرض"، لقد كتب هيكل روايته زينب في باريس، أغلق على نفسه حجرته في العاصمة الفرنسية، وحاول استعادة صورة وطنه الذي يحبه، ولم يستطع أن يغلق وعيه الإبداعي أمام تأثيرات الثقافة الفرنسية، فانعكس اللا وعي المعرفي على الكتابة الإبداعية، وخرجت”زينب”الفلاحة المصرية صورة أخرى من مارجريت جوتييه بطلة”غادة الكاميليا”للكاتب الكسندر دوماس الابن، محبوبة أرمان دوفال التي يضنيها الهوى فتموت بداء الصدر. وإذ تحولت زينب إلى صورة من مارجريت، غرقت الرواية في الرومانسية، وتحولت طبيعة الريف المصري إلى صورة حالمة لا تنطق الرومانسية التي نفر منها الشرقاوي، واستبدل بها صورة واقعية في روايته، تكشف عن عميق تأثره بالواقع، وتكشف عن تحول من الرؤية المثالية إلى الرؤية الواقعية، على نحو ما أوضح عبدالمحسن طه بدر في كتابه القيم”الروائي والأرض"، حيث يعالج تغير رؤية كتاب الرواية لموضوع”الأرض”الذي يمثل الواقع، ابتداء من هيكل وانتهاء بالشرقاوي.
ومن الرومانسية إلى الواقعية

ولكن إذا كان هيكل قد تأثر بالرومانسية الفرنسية وهو يكتب زينب فإن الشرقاوي لم يكن بعيداً عن التأثر بالواقعية العالمية وهو يكتب”الأرض". لقد دفعه وعيه المتغير بواقعه، والتزامه بقضية الفلاح التي لم يتخل عنها، إلى البحث عن الكتابات الإبداعية الواقعية التي تعالج مشكلات الفقر والظلم الاجتماعي، خصوصا تلك التي تعالج قضية الفلاح. وقد انتهى به البحث إلى قراءة نص رواية الكاتب الواقعي الإيطالي البرتوسيلوني عن قرية مشابهة لقرية”وصيفة"، عانت من فساد أحد كبار الملاك في مسألة مياه الري، وحاولت مقاومة هذا الفساد، على النحو الذي قاوم به الفلاحون المتمردون في قرية وصيفة، ولكن براعة الشرقاوي تظهر في أنه لم يجعل من وصيفة صورة أخرى لفلاحة إيطالية فقيرة، ولم يجعل من متمردي الأرض أمثال”محمد أبوسويلم”صورة أخرى من متمردي رواية”فونتمارا”للكاتب الإيطالي، ولم يدفع هؤلاء المتمردين إلى تعرف الأدبيات الماركسية التي تعرفها متمردو القرية الإيطالية عندما ذهبوا إلى السجن فكان عليهم أن يتعرفوا إجابة السؤال - الكتاب:”ما العمل؟”.

لم يفعل الشرقاوي شيئا من ذلك كله، بل خلق مهاداً قروياً خشناً، تتحرك فيه أحداث محلية تماماً، واستمد من قريته المادة الخام لشخصياته. وأذكر أنه حدثنا، عندما دعوناه إلى قسم اللغة العربية في آداب القاهرة عام 1974، أنه استمد شخصية وصيفة من شخصية حقيقية في قريته، وحدثنا كذلك عن تأثره برواية”فونتمارا". وليس المهم إثبات أصل وصيفة في قرية الدلاتون فالأهم تأكيد ما حققه الشرقاوي من إنجاز واقعي ناجح على مستويات متعددة، هناك اللغة الحوارية التي تؤكد الدلالة الواقعية للشخصيات والأحداث. وهناك مشاكلة الواقع القروي التي توهمنا بأننا نعايش فعلاً أمثال الشيخ يوسف ومحمد أبي سويلم وغيرهما. وهناك الوعي بالمحلية والخصوصية الذي يبرز قضية الأرض في علاقتها بالثنائية المتضادة بين الشيخ المنافق الذي يبرر الظلم والشيخ الثائر الذي يتمرد على الظلم. وإذا أضفنا تعدد مستويات الشخصية، وصراعاتها الداخلية، وتجاوب تكوينها الداخلي مع قسماتها الخارجية، وتفاعلها مع الأحداث، واستجابة الأحداث إلى منطق السببية، إلى القدرة على تجسيد الواقع الاجتماعي للقرية في صراعه وحركته وتغيره، وجدنا أمامنا نموذجا نمطيا من نماذج الأدب الواقعي الذي رأى فيه محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس نموذجا عمليا لنظرية الانعكاس في ذلك الوقت.
ومن الخاص إلى العام

والمؤكد أن انطلاق الشرقاوي من الواقع المحلي، ومن خصوصية القرية المصرية، هو الذي انتقل بروايته”الأرض”من الخاص إلى العام، ومن ثم جعل للرواية قيمتها الباقية في الترجمة، هذا الوعي بالواقع هو الذي جعل الشرقاوي يبرز أهمية رجل الدين في القرية، ولكن على المستوى الذي يمايز بين رجل الدين الذي يقف إلى جانب المظلومين دفاعاً عن قيم الحق والعدل والحرية التي هي قيم الدين، وبين رجل الدين الذي يزين للظلمة ظلمهم طمعاً في دراهمهم الزائلة. رجل الدين الثوري ذلك هو الذي ظل الشرقاوي حريصا على إبرازه، وعلى إظهاره في العديد من أعماله، فقد كان الشرقاوي مدركاً أهمية الدين بوصفه أساس كيان الأمة، وبوصفه ضمان تحقق قيم الحق والعدل والحرية في ربوعها، خصوصا عندما يصونه رجال يخشون الله ولا يخشون دراهم الأغنياء. ومنذ أن كتب الشرقاوي”محمد رسول الحرية”وهو يعود إلى هذا البعد العظيم من الدين ويؤكده، إلى أن فرغ له تماما في الفترة الأخيرة من حياته فأصدر دراساته المتتابعة عن الأئمة والفقهاء العظام في الإسلام. وتصور البعض أن ذلك تحول في مساره. والواقع غير ذلك، فالمسار واحد، والقيم الأساسية ظلت هي هي منذ البداية إلى النهاية، والكاتب الذي استهل حياته بتأكيد العلاقة بين الإسلام والحرية والعدل هو نفسه الذي اختتم حياته بتأكيد العلاقة بين أئمة الإسلام وفقهائه وقيمتي العدل والحرية.
ومن المعاصرة إلى التراث

وأحسب أن الشرقاوي كان يقدم قيمة الحرية على العدل عندما كان يشعر بالخطر الذي يهدد هذه القيمة النبيلة مستلهماً في ذلك تاريخه الكتابي الذي يبدأ بإنجازه عن”محمد رسول الحرية". والمؤكد أن استلهام معنى الحرية في هذا السياق، ومن خلال تراث إسلامي لا يجد ما يمنعه من التأثر بكل التراث الإنساني المرتبط بالعدل، هو الذي جعل مسرح الشرقاوي كله نشيدا متصلا من أجل الحرية. ذلك ما حدث مع جميلة بوحريد (مأساة جميلة) 1962، التي كانت كتابتها شكلاً من أشكال مقاومة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وهناك رمز تمثيلي من رموز التمرد على ظلم السلطان، هو”الفتى مهران”في المسرحية التي طبعت عام 1966، وكانت شكلاً من أشكال التمرد على الديكتاتورية التي شهدتها الحقبة الناصرية، وهي الديكتاتورية التي أضاعت أحلام العدل، والتي واجهها الشرقاوي من وراء قناع الفتى مهران، حين جعله يخاطب السلطان بقوله:

.... هذا الخوف منك
يجعل الناس كأعواد تردد
كل ما ينفخ فيها من عبارات الولاء
إن هذا الخوف منك
هو لن يهدم غيرك
فاعتراض صارخ ممن يحبك
لهو خير ألف مرة.. من رضى كاظم غيظ يرهبك.

وإذا كانت مسرحية”الفتى مهران”تجسد علاقة التضاد العاطفي التي ربطت بين الشرقاوي (وأمثاله) وجمال عبدالناصر، فإن هذا التضاد كان يرجع إلى الإعجاب بأحلام العدل التي حققها عبدالناصر والتي وعد بتحقيقها والنفور من الديكتاتورية التي أطاحت بأحلام الحرية التي جسدتها كتابات الشرقاوي منذ بداية حياته الأدبية. ولذلك جاءت المسرحية التالية للفتى مهران عن”تمثال الحرية”(عام 1967) وبعدها”وطني عكا”(عام 1969) عن حرية فلسطين الضائعة، ثم”الحسين ثائراً”و"الحسين شهيداً”عام (1969) التي تمزج حلمي العدل والحرية. وبعد”النسر الأحمر”(عام 1976) يختتم الإنجاز المسرحي كله بمسرحية”أحمد عرابي زعيم الفلاحين”التي صدرت طبعتها الأولى عام 1982 ليعود عبدالرحمن الشرقاوي إلى ما بدأ به حياته، وهو الوعي بقضية الفلاح وجعلها رمزاً لقضية الوطن والأمة بأسرها.
عن صحيفة الاهرام المصرية