شبكة خطوط السكك وحملة احتلال الإنكليز للعراق

Sunday 10th of September 2017 06:28:00 PM ,

ذاكرة عراقية ,

حازم فاضل الهاشمي
نكتب عن التاريخ السياسي الحديث في المملكة العراقية من سنة 1921 - 1958 من خلال تاريخ السكك الحديد والموانئ العراقية، ومن خلال هذه الكتابات نجدد الذاكرة العراقية بأدق التفاصيل عن تلك المرحلة التاريخية الحبيبة، عندما كانت الناس تحب الناس وتحترم الدولة والقانون، وتحب المدن كما تحب الريف وكانت الناس تزاول أعمالها اليومية وتترك السياسة وألاعيبها للسياسيين المحترفين إلا ما يسمي الوطن ومصالح الأمة

فترى الناس تسابق السياسيين في فهم السياسة ومزاولتها بكل عفوية وصدق وإحساس وطني صادق نبيل. الناس لا تزاول الألاعيب والمناورات والوزارات ولكنها كانت تزاول حب الوطن والدفاع عنه وكانت تحب الجيش وتحترمه لأنه عماد الشعب وان كان وسيبقي كذلك لحبها الجيش ولكنها كانت تكره الأمن ورجاله وجواسيسه هذا هو العراقي الأصيل نكتب له ونكتب عليه والسكك جزء من هذا التاريخ والقصة عن هذا الأمر لا تخلو من عراقية نجيبة.

السكك الحديد والموانئ في العراق

تاريخ سياسي عراقي من خلال وقائع جغرافية ومادية
الجغرافية والتاريخ يكملان بعضهما فأي انسان عراقي لابد ان يكون ملماً في جغرافية وتاريخ بلاده التاريخ للدول والاشخاص والتاريخ السياسي والمعرفة في جغرافية البلاد شرط اساسي لكل مثقف وحتى غير مثقف لأي مواطن والجغرافية منها الطبيعية والأخرى الاقتصادية وأيضاً الجغرافية السياسية وذلك مثلاً أن وقوع العراق معبراً للهند تاج الإمبراطورية البريطانية قد كان احد الأسباب المهمة في احتلال العراق سنة 1917 من قبل بريطانيا وهذه جغرافية سياسية ولوجود البترول والمعادن الأخرى في العراق سببا آخر لاحتلال العراق وهذه جغرافية اقتصادية وجغرافية العراق الطبيعية هي أنهاره الخوالد شماله الثلجي وجنوبه واهواره وطيبة أرضه وهوائه والزراعة المتنوعة فيه وتنوع بشره ولغاته وأديانه ومذاهبه وهذه التعددية سبب آخر في احتلال العراق حيث دخلت بريطانيا من البصرة بحراً وكان سهلاً علىها نهراً ومبسطاً، إن تواصل التقدم إلى بغداد ولامور عديدة اننا يجب ان نلم في معلومات عديدة عن بلادنا بكل طرقه ومواصلاته سككه وموانئه وهذا واجب وطني وأخلاقي وعلمي وسياسي يقع على أي عراقي يستطيع ان ينير بالمعرفة والعلمية ويسهم جادا مخلصاً في تصميم الفكرة وتسهيل المعلومة وفي هذا هو مقالنا بالسكك والموانئ.
حاولت المانيا دائماً ان تتفق مع الدولة العثمانية على ربط ميناء البصرة بمدينة استانة وإلي برلين بخط حديدي (بصرة - بيزنطينية برلين) ليكون خطاً سياسياً وتجارياً عالمياً.
في سنة 1914 افتتح خط حديد بغداد - سامراء وبعد اعلان الحرب العالمية الاولى توقف العمل في 1914 احتلت بريطانيا المياه المقابلة للعراق واحتلت البصرة في 22/11/1914.
وعندما ارادت بريطانيا احتلال كل العراق وإلي بغداد استخدمت مواد من الهند عربات وشاحنات لتأسيس خط سكك حديد في خطوة أولي خط البصرة - ناصرية - وخط ثان البصرة العمارة وبعد ذلك امتد خط البصرة - ناصرية - السماوة - وانشاء خط - الكوت - بغداد ومدد الخط إلى خانقين ومدد خط بغداد - سامراء إلى الشرقاط وفي انتهاء احتلال العراق وسيطرة بريطانيا كاملاً على العراق وبدء الانتداب من سنة 1920 - 1932 الانتداب 1920 ودخول عصبة الامم (1932 وانتهاء الانتداب وبدأت المشاريع والاتفاقيات لشراء سكك الحديد من بريطانيا إلى العراق وتم ذلك في 31/3/1936 غير ان هذه الاتفاقيات كانت موضع انتقاد الوطنيين العراقيين وخاصة جماعة الاهالي وقد قدم كامل الجادرجي ومحمد حديد اقتراحا إلى حكمت سليمان ان تصدر صحيفة تسمي البيان وتنشر نص الاتفاقية التي بموجبها اشترت الحكومة سكك الحديد وصدر العدد فعلاً يوم 7/4/1936 يبين مساوئ الاتفاقية وكان عبد الفتاح ابراهيم معارضاً لهذا النشر/ولابد ان نقوم بعد ذلك في توضيح تسلسل تاريخي عن هذه الاتفاقية وكيف بدأت ومضامينها لان هذا يقودنا إلى تاريخ سياسي عراقي حديث تبدأ المفاوضات بتقدير وضعته بريطانيا ثمناً لسكك الحديد التي بنتها في العراق وكان 478.5 (لك روبية) و(لك) يعني مليون وان تكون الشروط للتسليم:
(1) يسدد الثمن خلال 25 سنة وللحكومة العراقية تسديده في اقل لمالية الحكومة.
(2) تضاف الاعمال التي اضيقت بعد التقدير.
3)) يسدد المبلغ مع الفوائد التي سوف تحسب عليه.
4)) يدفع اول قسط من المستلم وليس لبريطانية ما يحصل من ربح او خسارة.
(5) قد تتنازل بريطانيا عن الفوائد لخمس السنوات الاولي.
6)) تكون شروط تفضيلية للحكومة البريطانية للنقل بالسكك.
ولقد كانت لجنة المفاوضات تتألف منذ البدء أي سنة 1923 والتي استمرت سنين طوال إلى سنة 1936 من ناجي السويدي وياسين الهاشمي واضيف إلىها مستشار مالي بريطاني وهذه سابقة لا يمكن قبولها. وفي سنة 1926 وافقت بريطانيا على عقد قرض في مبلغ 250 لك روبية من بريطانيا إلى العراق ومنح موظفي السكك على عقود استخدام وبعد ذلك تنصلت بريطانية من ضمان القرض ولحل القضية اقترح المندوب السامي على ابقاء السكك الحديد للحكومة البريطانية وتحويلها إلى شركة خاصة وجعل الشركة ذات أسهم نستطيع الحكومة العراقية شراء ما تريده منها وان يكون توسع السكك من صلاحية بريطانيا ومن جهة أخري كان هناك ضوء من بريطانيا انه يمكن شراء العراق ملكية الشركة ويبقي التصرف بالشركة بمراجعة بريطانيا وهكذا كانت بريطانيا تناور وتؤدي ألعاب سياسية واقتصادية حتي عام 1936 والحقيقة ان بريطانيا كانت تريد أن تكبل العراق بيع السكك وما تم الصرف علىها وتريد ان تبقي استعمالها العسكري فيها من جديد فتح باب التفاوض سنة 1928 في لجنة عراقية من يوسف غنيمة ونوري السعيد وتوفيق السويدي ودارت مفاوضات معقدة وصعبة في مناورات سياسية كثيرة التشعب وفي كل مرحلة عروض جديدة ولف ودوران (اشتروا السكك ودفعوا أثمانها ونحن نستعملها كيفما نشاء ومتي مانشاء وطريقة كيف نشاء) وفعلاً كانت بريطانيا تريد أن تتخلص من صرفياتها وتريد ثمن انشائها وتستعملها عسكرياً وحتي اقتصادياً، الجانب العراقي كان يعرف اللعبة ويفهم الاغراض والتبعيات وكانت الوزارة الهاشمية (يا سين الهاشمي) الثانية جعلت من أهدافها انهاء هذه القضية ولكنها لم تستطيع انهاءها إلا في سنة 1936 إذ قام بإنهائها نوري باشا السعيد وزير الخارجية حامل وسام الرافدين من الدرجة الاولي حيث وقع نص الاتفاقية وعلي عاتقه.

نص اتفاقية السكك في 1936/4/9

نشر في رقم 52 لسنة 1936 في عدد لوقائع العراقية 1508 ووافق عليها مجلس النواب وكانت وضعت في 31/3/1936 من قبل نوري باشا.
الطرف الأول: جلالة ملك العراق ووزير الخارجية نوري باشا السعيد حامل وسام الرافدين الدرجة الأولي وزير خارجية المملكة العراقية.
الطرف الثاني: جلالة ملك بريطانيا العظمي وايرلندا وما وراء البحار والهند السيد ارشيبالد جوركار حامل وسام القديسين وميخائيل وجورج الرفيع الشأن برتبة فارس سفير فوق العادة في بغداد.
(1) تنتقل جميع الحقوق التي في نظام السكك في العراق بضمنها الاراضي واموال ادارة ومراقبة السكك إلى الحكومة العراقية وينتقل هذا حالاً والذي كان يعود إلى المملكة المتحدة بريطانيا العظمي وشمالي ايرلندا والهند.
(2) تتسلم الحكومة البريطانية من الحكومة العراقية مبلغ (400000) باون استرليني الواجب دفعه خلال عشرين يوماً وتاريخ وضع هذه الاتفاقية.
(3) يتعهد ملك العراق في تشكيل مجلس ادارة للسكك تناط به لمدة عشرين سنة ادارة العمل تؤلفه الحكومة العراقية ومن خمسة أشخاص على أن يكون أحدهم من رعايا بريطانيا.
(4) يزود بتشريع صلاحيات كافية تساعده على مراقبة العمل ويبقي يتمتع بهذه الصلاحيات لمدة عشرين سنة قادمة.
(5) تكون الوظائف التالية من قبل رعايا بريطانيين وبشروط عمل وخدمة ملائمة ولمدة عشرين سنة، الوظائف المدير العام، مفتش النقليات العام، رئيس مهندسين، معاون رئيس مهندسين ميكانيكي ولحكومة صاحب الجلالة البريطانية أن تقوم مساعدتها في اختيار الاشخاص الملائمين.
(6) هذه الاتفاقية تبرم في بغداد وتنفذ فيها بأسرع وقت.
كتبت بالعربية والانكليزية في 31 آذار 1936 تم التصديق عليها من مجلس النواب في 9/4/1936.

نظراً إلى الدور التي تعلبه استخدامات السكك في نقل الاشخاص وشحن البضائع والحيوانات فقد اجريت تعديلات مهمة.
1- رفع والغاء خط البصرة ــ العمارة وخط بغداد ــ الكوت وخط السدة ــ كربلاء.
2- تمديد خط بغداد جلولاء إلى كركوك ثم إلى أربيل.
3- تمديد خط بغداد الشرقاط إلى الموصل ومنها إلى تل كوجك.
ويلاحظ ان خط بغداد الموصل تل كوجك خط عريض بينما خط بغداد كركوك أربيل خط ضيق أنشيء لأغراض عسكرية محضة ولهذا كانت سنة 1960 السنة التي باشرت فيها السكك في ابدال الخطوط المترية الضيقة إلى الخط العريض القياسي وتم أيضاً الربط مع ميناء أم قصر في الجنوب إلى الحدود العراقية ــ السورية ــ التركية كنمط دولي.
(1) خط البصرة ــ بغداد كان خطاً مترياً ضيقاً ابدل بالخط العريض وهو بطول (356) ميل (569) كيلو متراً وهو يسير بمحاذاة الضفة الجنوبية لهور الحمار حتي مفرق الناصرية ثم غرب الفرات حتى السماوة ثم يعبر فرعي شط الهندية بموازاة شط الحلة إلى الهاشمية ويعبر شط الحلة حتي يصل الهندية ثم إلى بغداد.
(2) خط بغداد خانقين - قياسه متري في أول الامر وكان استخدامه لأغراض عسكرية ثم ابدل إلى الخط العريض وطوله 110 أميال (176) كيلو متراً وهو يسير بمحاذاة الطريق العام بغداد خانقين عن طريق بعقوبة ويتصل من بغداد إلى البصرة.
(3) خط بغداد - كركوك - أربيل يمر في جلولاء قياسه متري حتى كركوك ثم ابدل إلى خط عريض إلى كركوك ومن كركوك إلى أربيل أنشئ أصلاً خط عريض من البداية طوله (280) ميلاً (427) كيلو متراً وفي مفرق جلولاء يعبر نهر ديالي على جسر حديدي.
(4) خط بغداد - الموصل - إلى تل كوجك - خط عريض قياسي وهو الخط الوحيد الذي يربط العراق بالعالم قياسه 4 أميال عرضاً وطوله (337) ميلاً (529) كيلو متراً (داخل العراق) ويمتد دائماً غربي نهر دجلة هذه هي سكك الحديد العراقية وهي بسيطة وفقيرة وحتي المحطات ليس فيها خدمات مثل فندق أو دار استراحة أو مطعم.

الموانئ العراقية

لقد كان ميناء البصرة سابقا هو الميناء الوحيد وهذا هو الميناء الذي تحبه القوات البريطانية ويمكن ايجاز المعلومات عن هذا الميناء.
1- يقع الميناء على الجانب الغربي من شط العرب وعلي بعد 70 ميلا من الخليج العربي ومن مصب شط العرب.
2- كان تحت السيطرة العثمانية ثم الانكليزية وفي عام 1919 رجع إلىنا في انتقال ادارته إلى سلطات العراق المدنية ومن هذا الميناء جاء الملك فيصل الاول ــ وهذا الميناء كان يدار من قبل وزارة المالية العراقية منذ عام 1930 والكمارك العراقية وادارة الشرطة المحلية للبصرة.
3- في عام 1939 انتقلت ادارته إلى وزارة المواصلات وسمي (مديرية الموانئ العامة) ثم ابدل إلى مصلحة الموانئ عام 1956.
4- وقصة هذا الميناء تشابه ما حصل من مفاوضات في سكك حديد العراق حيث بدأت المفاوضات بين العراق وبريطانيا منذ سنة 1922 وقد وضعت بريطانيا عن طريق المندوب السامي في العراق في ذلك الوقت شروطاً لتسلم الميناء وكانت هذه الشروط هي أن بريطانيا قد صرفت علىه مبالغ تريد ان تدفعها الحكومة العراقية على شكل اقساط يترتب أن يدفع العراق فوائد على هذه الاقساط وان يكون من حق بريطانيا الاشتراك والاشراف في الادارة.
ولقد تألفت لجنة من ناجي السويدي وياسين الهاشمي والمستر سلايتر مستشار مالي بريطاني (وهذا كان يجب ان لا يكون مع لجنة العراق).
والمفاوضات بعد جهود اسفرت عن تسليم الميناء إلى العراق ولكن بريطانيا كانت تريد ان تسجل مديونية على العراق مع حق الإشراف وحتى تسديد الإقساط وحتى الأراضي التي أنشئ عليها الميناء تدعي (بريطانيا) انها ملكها وكيف أصبحت هذه الأراضي العراقية ملكاً لبريطانيا المحتلة لله وحده يعلم.
وأخيراً وبعد مفاوضات تنازلت بريطانيا عن الأراضي ولكنها لم تتنازل عن المنشآت ولا عن الفوائد ولا عن حقها في استعمال الميناء وفق حاجاتها وحتى كانت تريد ضرائب عن استعمال الميناء يكون لبريطانيا وأخيراً في 26/2/1930 سجل الميناء عراقياً كله أرض ومنشآت ويمكن الإيجاز هنا ان بريطانيا قد استعملت الميناء تجارياً وعسكرياً من 1914 إلى 1917 من احتلال العراق إلى مفاوضات 1922 ثم إلى 1930 وهذه هي لغة وتصرفات المحتل.

التشكيلات الأخرى لمصلحة الموانئ

1- ميناء أم قصر: يقع في نهاية الجنوب لخور الزبير ويلتقي مع خور عبد الله وكان وضع العمل به في 26/3/1961 وفي البدء كان فيه ثلاثة أرصفه مع جميع مستلزماتها وفيه مخازن تلحق بالارصفة في سعة استقبال بواخر (30) قدم غطس وبحدود حمولة (15) ألف طن وفيما بعد تم تطوير الميناء من مخازن ومنشآت.
2- الميناء العميق : وهو ميناء عائم خاص بناقلات النفط العملاقة يقع شرقاً في عمق الخليج العربي (25) ميلا ويبعد عن ميناء ام قصر غرباً وهو مصمم على شكل جزيرة صناعية عائمة وهو الاول من نوعه في العراق بوشر العمل به 1959 وشحنت منه اول باخرة نفط في تاريخ في 8/4/1962 وله خمس منصات أو جزر صناعية عائمة تتصل مع بعضها والوصول إليه بحراً فهو يبتعد (25) ميلاً هذه هي قصة سكك حديد العراق وموانئه التي قد تكون بريطانيا قد بدأت في انشائها والحق يقال لكنها كدولة غازية كان لها أغراضها العسكرية ثم التجارية وكان العراق معبراً إلى الهند تاج الامبراطورية البريطانية وتنفيذاً لمعاهدة بورت سموث، ومعاهدة 1930 ومعاهدة سايكس بيكو في تقسيم العالم بين دول الحلفاء وبريطانيا أخذت مقابل سكك الحديد وميناء البصرة من العراق حق الانشاء ولكنها لم تعط للعراق حق الاستعمال وحتى الارض تريد ان تأخذ ثمنها وهي ارض عراقية.

عن كتاب وسائل النقل في العراق