حسين الرحال وبدايات الفكر الاشتراكي في العراق

Wednesday 6th of September 2017 05:21:26 PM ,

عراقيون ,

د. عامر حسن فياض
الحديث عن حسين الرحال هو حديث عن تاريخ عراقي يحتضن احداثا فكرية سياسية واجتماعية هزت المجتمع العراقي وفتحت الاذهان على مثل جديدة واكتشافات حديثة وأراء غير مألوفة، فسمع الناس صيحات تطالب بالنظام الجمهوري وتحرر المرأة ومساواتها بالرجال، والمطالبة بالحرية الفكرية والاهتمام بالمشاكل الاجتماعية.

واذا كانت هذه الافكار الجديدة تعود في ظهروها الى بداية القرن العشرين فان أثرها في الحياة الاجتماعية والسياسية، كان قد بدا بصورة واضحة منذ بداية العقد الثاني من هذا القرن.
والمهم ان هذه الصيحات قد اضطلع بها عراقيون لم يكونوا بعيدين عن الفكر الاشتراكي، فحسين الرحال الرائد الاول للفكر الاشتراكي في العراق كان قد تفتح ذهنه المتحرر اولا من خلال تشبعه بفكر الجمهورية، كما ان ثقل العناية بالمرأة وتحررها كان قد وقع، منذ البدء، على عاتق رواد الفكر الاشتراكي في العراق، بل العناية هذه كانت تمثل باكورة تحرك هذا الرعيل ومحور نشاطهم الفكري والعلمي، اذ كانوا دائما يقرنون تحرر المرأة بتحرر المجتمع بأسره وقد اسهم في تعزيز هذه الافكار معرفة مباشرة نقلها الى العراق بشكل خاص حسين الرحال.

وفي المطالبة بالحرية الفكرية راح الرعيل الاول من الرواد يتحمس لها لأن الحرية تعني بالنسبة لهم بالضرورة نبض الحرية لافكارهم وللمتقدمين، تدفع بهم الى النشاط في افكارهم ومواجهة موجة الافكار والاراء الرجعية المهيمنة انذاك وان من تزعم المطالبة بالحرية الفكرية لم يكن بعيدا عن شلة(حسين الرحال) الاشتراكية التي راحت تطالب بالحرية الفكرية لضمان حرية التعبير في طرح كل ماهو جديد وتقدمي.
واذ اتخذت النقاشات والبحوث الفكرية التقدمية في الفترة التي عاشها الرحال وشلته ثوب الدراسات الادبية، فأن رواد الفكر الاشتراكي كانوا ايضا اول من نصبوا انفسهم ليؤكدوا قدرة الحركة الأدبية في العراق على الارتباط بحركة الواقع وبالانعطافات المهمة في تاريخنا الحديث.
واذا كان الشعر العراقي الحديث قد بدا يهتم بمشاكل الحياة الاجتماعية ويصورها بشكل واقعي مهتماً بكل ماهو جديد فيها، فان الفن القصصي في محاولاته البكر، على يد الاشتراكي(محمود احمد السيد) حمل ألسمة المتميزة التي جعلته يصب في المجرى العام لكتابات الواقعية متجاوزآ المرور التقليدي بالرومانسية او الرمزية وباتجاهات الفن للفن التي شاعت في ثقافة الغرب الليبرالي.

ان دراسة تاريخ العراق الحديث تبين لنا ان النهوض الفكري الاشتراكي في العراق كان محصلة روافد ثقافية متعددة. فقد كان للمؤثرات العربية والاجنبية واصدائها ثقل على توسيع الافق الفكري للمثقفين العراقيين. بعد عام 1908م اصبحت تركيا اكثر تأثيرآ في الفكر العراقي الحديث فقد كان اكثر المثقفين يعرفون التركية ويدرسون بلغتها فتعرفوا على التيارات الفكرية الحديثة التي بدأت تصبغ الفكر التركي الحديث منذ القرن التاسع عشر وضمنها التيار الاشتراكي الذي يشق طريقه في الفكر التركي وبرز فيه الكتاب والادباء والكتب المترجمة الجادة.
وكان لمصر الفضل الكبير في توسيع مدارك المتعلمين في العراق وتهيئتها لتمثّل الافكار الاشتراكية، فقد ظلت(المقتطف) وغيرها من المجلات المصرية موضع اهتمام الشبان تدعوهم ليقرأوها ويكتبوا فيها. وأطل العراقيون على الفكر الاشتراكي عن طريق الكتب الاشتراكية، المؤلفة والمترجمة بعد ان نظروا الى مصر على انها المنبع العربي للاشتراكية، فتوجهوا صوب مفكريها يطلبون منهم الرفد، فأتصلوا بنيقولا حداد، مما يدل على تطلعهم الواعي نحو معرفة جديدة على الدوام.
كما استمر هذا الرافد العربي عن طريق سوريا ولبنان أيضا، بالاضافة الى ذلك فقد رفد الاذهان العراقية ماورد من روسيا قبل وبعد ثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917م من مؤثرات فكرية تقدمية.
فقد وصلت أخبار الحرية الثورية الروسية الى الشرق قبل ثورة اكتوبر في العراق وتعاطفت مجلة”الرقيب”البغدادية معها واستمرت اشعاعات هذه الحركة أبان الحرب العالمية الاولى، ولقد رافق عملية تعرف العراقيين على(البولشفيك) وانفتاحهم على اخبارهم بداية تثبيت اقدام الانجليز في العراق.لذلك حاول المحتلون صد هذا التيار الذي بدأ عبر الاناضول او عن طريق بلاد فارس بواسطة الرجعية والمتعلمين العائدين الى الوطن. وصار لهؤلاء البولشفيك انصار عديدون بدافع من وعي بسيط ناتج عن كراهية للانجليز والاستعمارين الفرنسين والقياصرة الذين فضحت ثورة اكتوبر مشاريعهم الرامية الى تقسيم الولايات العثمانية فيما بينهم. وعبر الصحف والمجلات المعادية والمناصرة للبلاشفة تسربت بعض المعارف والصور لما كان يجرى في روسيا السوفياتية أضافة الى هذه المؤثرات العربية والاجنبية كان هناك بعض الاجانب ممن يحملون الفكر الاشتراكي قد جاءوا الى العراق وبدأوا يبذرون هذا الفكر في رأس من يتصلون به كالمعلمة الاميريكية(كلير) وناظر المعارف الاسترالي(رايلي) بالاضافة الى الاسكتلندي (دنونون مكنزي) صاحب مكتبة(مكنزي) انذاك.
تلك هي الروافد التي شكلت المؤثرات الخارجية الاولى للفكر الاشتراكي في اذهان المتعلمين العراقيين، بينما يقف حسين الرحال ليشكل مع جماعته محور وأساس المؤثرات الداخلية لبناء صرح الفكر الاشتراكي في العراق الحديث.
البداية:
ولد حسين علي صائب الرحال في بغداد 1905م من عائلة متوسطة الحال كان ابوه ضابطاً للاملاك السنية العائدة للسلطان عبد الحميد، وقد اشتهر بنزاهته، حيث النزاهة نادرة بين موظفي حكومة السلطة العثمانية انذاك. وكرس جهوده لتربية اولاده وتنشئتهم نشأة تعليمية حديثة، وقد مات ولم يترك بعده سوى البيت الذي كان يسكنه واولاده.

عندما عاد”حسين الرحال”من المانيا الى العراق في نهاية عام 1919م كان قد وجد من سبقه ممن تأثر بالفكر الاشتراكي امثال”حمدي الباجه جي”و”مزاحم الباجه جي”.ولقد عرف العراق في وقت مبكر الكثير ممن كتب عن الاشتراكية قبل(حسين الرحال). ففي معرض حديثه عن”مبدأ المساواة”كتب الصحفي(محمد عبد الحسين) عن الاشتراكية عام 1920م.
لكن الذي يدور من هذا الحديث أن علاقة(محمد عبد الحسين) بألفكر الاشتراكي لاتتجاوز الاطلاع على هذا الفكر بالرغم من انه عام 1918م عاد من ايران وهو يحمل كثيرآ من الافكار الأشتراكية على شكل غير منظم(5) وكان المحامي(عبد الرزاق عدوة) مطلعآ أيضا على الفكر الاشتراكي من خلال حديثه عن ماركس والحركة الاشتراكية الالمانية، ولكن علاقته بالفكر الاشتراكي هو أيضا لاتتعدى حدود الاطلاع.
اما(حسين الرحال) فأن أشتراكيته من نوع آخر. فكيف تأثر(الرحال) بالفكر الاشتراكي؟.

لم يكن”حسين الرحال”قد اكمل دراسته الثانوية عندما أرسل من قبل الحكومة العثمانية الى المانيا مع أول قطار ذاهب الى هذه البلاد بعد أفتتاح خط سكة حديد (بغداد- برلين)عام 1916م.وكان يحمل في سفرته هذه رسالة من قريبه (صبيح نشأت) الى (توفيق الخالدي) الذي كان مقيما في برلين حينذاك، وقد تم له فعلا الاتصال بـ(توفيق الخالدي) بعد ان استقر في سكناه في منطقة(سيرندورت ميته) في برلين ثم بدأ دراسته في مدرسة الهندسة المسماة مدرسة(كيني).

ان الدعوة للنظام الجمهوري، في الوقت الذي كانت تسود فيه على الصعيد العالمي الانظمة الملكية التي اشتهرت برجعيتها، كانت تلك الدعوة تمثل البداية الاولى لتفتح عقل(الرحال) على الفكر المتحرر.
وكانت هذه البداية قد تكونت نتيجة حضور(الرحال) اللقاءات التي اعتاد أن ينظمها(الخالدي) صاحب الميول الجمهورية، في بيته كل يوم أحد مع الطلبة العرب في برلين.
وقد كانت الصحف الالمانية وسيلة(الرحال) للأطلاع على الفكر الاشتراكي، وبقدر ما استطاعت هذه الصحف أن تهيء ذهن (الرحال) لتقبل الفكر الاشتراكي وأن تجعله مألوفآ لديه فأنها لم تستطع، مع ذلك، أن تدفع به حد التمسك بهذا الفكر حينها.

ولكن ما ان اندلعت الثورة العمالية في برلين عام 1918م، وكان السبارتاكيون. (عصبة الماركسين الشيوعيين الألمان) من ورائها، حتى هزت هذه الثورة(حسين الرحال) هزآ عنيفا وبدأ بالتساؤل عن طبيعتها فيذكر قائلآ”سألت حانوتيا وزوجته عما اذا كانت الثورة تستهدف أعادة الملك فردريك، فأجاباني متحسرين لعهد فردريك، بأنها ثورة عمالية”.واثناء الثورة تطور الأمر عند(الرحال) الى التفاعل مع افكارها الاشتراكية. وقد لعب اصدقاؤه الطلبة الألمان المؤيدون للثورة دورآ كبيرا في ذلك، لاسيما أن قسما كبيراً منهم كان أباؤهم وأخوانهم وأخواتهم ممن ساهم في هذه الثورة.وقد اعتاد هؤلاء الطلبة الذهاب الى مناطق الثورة وكان(الرحال) يذهب الى هناك بصحبتهم.

وفي هذه المناطق كان يستمع الى خطب (روزا لوكسمبورغ) و(كارل ليبكنخت) وغيرهما من القاده الاشتراكيين الماركسيين. بيد أن الثوار كثيرآ ما كانوا يبعدونهم عن مناطق الثورة خوفا عليهم. ولكن بالمقابل كانوا يزودونهم بنشريات الثورة التي كانت تحمل اسم”حكومة المجالس”وأغلب هذه النشريات كانت تطبع في مناطق(هنغاريا). ومن النشريات التي كان قد قرأها(الرحال) اثناء ذلك كراس بعنوان (حكومة السوفيات في هنغاريا)، كما قرأ جريدة(القلم الاحمر) بالاضافة الى الجريدة البرلينية (برلينو تاكة ملال).

أن هذه النشريات كانت محملة بالافكار الاشتراكية. وقد عكف(حسين الرحال) على قراءتها بفهم بالغ. وقد شكلت هذه المنشورات، بالاضافة الى وقائع واحداث ميدان الثورة، الاساس في تكوين فكر(حسين الرحال) الاشتراكي. وبقدر ما تم تكوين فكره الاشتراكي عبر الثورة العمالية الالمانية، فأنه كان قد اتخذ طابعآ خاصآ يتميز بالحركة والفعالية، وكان ذلك سبباً في الاّ يكتفي (حسين الرحال) في أن يكون ذا تفكير أشتراكي، وأنما يعمل، بكل حماس، من اجل بث الفكر الاشتراكي وخلق مناخ ذي تفكير اشتراكي.

وبهذه الروحية عاد (حسين الرحال) الى العراق. فعندما أعلنت الهدنة عام 1919م خيرت الحكومة التركية العثمانية طلابها في المانيا بين البقاء هناك لاكمال دراستهم على حسابهم الخاص وبين العودة على ظهر باخرة تركية تصل المانيا. وقد أختار(الرحال) العودة قبل أن يكمل دراسته وذلك بالنظر لصعوبات التحويل الخارجي.عندما عاد (الرحال) الى العراق كان عمره ثمانية عشر سنة. وكان يحمل معه العديد من منشورات الثورة العمالية ومن ضمنها كراس(حكومة السوفيات في هنغاريا) انف الذكر.

وفي طريق عودته يلتقي في سوريا بـ(ياسين الهاشمي) ويسأله الاخير عما يدور في اوروبا فيطلعه(حسين الرحال) على هذا الكراس شارحا له مضمونه. ويطلب(الهاشمي) منه ان يقوم بترجمته، وعندما يخبره(حسين الرحال) بضعف أسلوبه في الكتابة باللغة العربية يطلب(الهاشمي) من الصحفي (رشيد الهاشمي).. الذي كان معروفا انذاك بقوة أسلوبه، بأن يساعد(حسين الرحال) في ترجمة الكراس المذكور..

وعندما وصل (حسين الرحال) العراق واصل أتصاله بالفكر الاشتراكي العالمي. فقد أستطاع أن يقنع صاحب المكتبة العصرية(محمود حلمي) بأن يقوم بأستيراد الكتب الاشتراكية عن طريق وكلائه في الخارج.(13). وقد تم فعلا الحصول، عن هذا الطريق، على بعض الكتب التي كانت تصدرها أنذاك دار النشر الخاصة بجريدة الحزب الشيوعي الفرنسي(اللومانتيه)، وكان أول كتاب قرأه(الرحال) بعد عودته الى العراق هو كتاب(الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية) لـ(لينين) باللغة الفرنسية، ثم اعقبه بكتابه الآخر (الدولة والثورة) وباللغة الفرنسية أيضا، كما أستطاع أن يحصل عن هذا الطريق على بعض المجلات الاشتراكية منها مجلة (كابيه دي بولشفيك)التي كانت يصدرها التروتسكيون الفرنسيون. وقد قرأ لاول مرة شعراً لـ (ناظم حكمت) مترجمآ الى اللغة الفرنسية، ويعد(الرحال) أول من عرف القراء العراقيين على الشاعر (ناظم حكمت).. وتأثر بأشعاره وبالمجلة الشيوعية التركية(رسم. بي.آي) اي”المجلة الشهرية المصورة”للشيوعية التركية”صبيحة زكريا.
وقد أطلع (حسين الرحال) على أفكار (ميكيافيلي) وتوضح لديه أن دعاة فكرة ميكيافيلي صاحب كتاب(الامير) هم من اصحاب فكرة التوسع والاستيلاء. وانصرف(حسين الرحال) الى التزود بالمزيد من الفكر الاشتراكي وعن طريق مكتبة(مكنزي) وبمساعدة الاخير أستطاع فعلآ أن يحصل على كتاب (رأس المال) بكل اجزائه بسعر 26 روبية، ولم يكن يكتفي بقراءة ماتيسر له من الكتب الاجنبية. وانما كان يقوم بترجمة وتلخيص البعض منها فلديه ترجمة لقصة (أوجين آزيف) عن زعيم حزب الاشتراكين الثورين الروس (أيفان نيكولا ديفتش). ودراسته بعنوان(مفهوم الثورات في العالم القديم).. ودراسته اخرى عن (تربية الطفل عبر التاريخ) ودراسات ناقصة اخرى غير منشورة أيضا تحت عنوان(اشتات ملمومة).. والتي يبرر(حسين الرحال) عدم مواصلته أتمامها بمقولة لغوته تقول(انه في عدم قدرتك على أتمام شيء يكمن سر عظمتك). وأن هذه المجموعة تضمنت، كما كتب الرحال في اوراقه هذه، المواضيع الستة التي بدأ بكتابتها ولم يتمها والتي صممت ووضعت معالمها وهي فن الترجمة، وعلى طريق بهارات، ملحمة جلجامش، دون كيشوت، المرأة في سيرتها، اللغة العربية واللغات الاوروبية وتطورها. كما ترك (الرحال) دراسة قصيرة بأربع صفحات عن الاشتراكي الالماني (بيبل)، واخرى بصفحتين رونيو بعنوان (نوعان من الحروب وموقف حركة السلام منها) زينها بمقولة لينيين (من الضروري في كل حرب تنشب تعيين محتواها السياسي).

أضافة لذلك فأن(حسين الرحال) اشترك مع عبد المجيد كمونة في وضع كتاب قانوني عام 1953م يحمل عنوان (الأدارة المركزية والأدارة المحلية في العراق).وقد كان (حسين الرحال)حريصا على قراءة ما يترجمه هو ويلخصه على اسماع الناس المقربين اليه، وكثيرآ ما كانت تتم هذه القراءة في المقاهي البغدادية التي يؤمها هو واصدقاؤه. كما لم يكن (حسين الرحال) يكتفي باقتناء نسخة واحدة من الجرائد والمجلات الاشتراكية الاجنبية، فكثيرآ ما كان يطلب (6) نسخ بقصد توزيعها على اصدقائه ممن يعرفون اللغات الاجنبية.وفي الاخير لم يكن (حسين الرحال) يبخل على أحد بأعارة مالديه من كتب ومجلات اشتراكية فلقد كان يستلم بانتظام مجلة (ليبر مونثلي) الانجليزية التي كان يصدرها أنذاك (بالم دات).

لقد تجسدت المواقف العملية لـ(حسين الرحال) منذ بداية وصوله العراق. فعندما عاد(توفيق الخالدي) وطرحت مسألة نظام الحكم المرتقب في العراق، وقف(حسين الرحال) الى جانب (الخالدي) في تأييد وترشيح (عبد الرحمن النقيب) على أعتباره أن انتخابه يمثل مرحلة أولى للعبور نحو النظام الجمهوري.وبعدها انصرف (حسين الرحال) الى عقد الندوات الثقافية في مقاهي بغداد مع النشاط الصحفي فأصدر مع جماعة من المثقفين التقدميين صحيفة (الصحيفة) في 28 كانون أول 1924م وكتب فيها مقالات ناضجة وفق نهج اشتراكي علمي(ينظر مثلا العدد الاول في 28 كانون الثاني 1924م مقالة (المحيط الطبيعي والمحيط الاجتماعي، والعدد الرابع في 2 شباط 1925م مقالة (أخلاق الاقطاعيات - الافتتاحية) والعدد الخامس في 1 مارس 1925 مقالة(نظرية التاريخ) والعدد السادس من مارس 1925 مقالة (هل هناك عروق ممتازة؟). ثم اشترك (حسين الرحال) مع الصحفي (ميخائيل تيسي) صاحب مجلة (الناس الشوارع) في أصدار جريدة (سينما الحياة) في 17 كانون الأول 1926، وهي أول جريدة عراقية وصفت نفسها بأنها جريدة اشتراكية بمعنى كونها جريدة شعبية من الشعب الى الشعب وعليه فستكون وقفا لخدمة العموم وأحوالهم الاشتراكية (27). ثم اشترك (حسين الرحال) في التظاهر ضد زيارة الزعيم لصهيوني (الفريدموند) الى بغداد عام 1928م وتم اعتقاله مع مجموعة كبيرة من المثقفين التقدميين.بعد ذلك ابتلعه العمل الوظيفي وترك الميدان الذي كان أول المساهمين في الدخول اليه وتطويره.

وقبل تلك المغادرة وحين عودة (حسين الرحال) من المانيا تعرف في بغداد على (محمود احمد السيد) وربطته به صداقة قوية. وكان يتم اللقاء بينهما أول الأمر في أحد غرف(جامع الحيدر الخانه) وفي هذه اللقاءات كان لمحمود احمد السيد والرحال أصدقاء آخرون كان قد تعرف عليهم الرحال فيما بعد منهم (عبد الله جدوع ومحمد سليم فتاح وابراهيم القزاز ومصطفى علي وعوني بكر صدقي وكمال صالح وفاضل محمد البياتي وغيرهم.
حول هذه اللقاءات يقول مصطفى علي أن احدهم كتب وأسمه (بطاطو) انه شاهد في التحقيقات الجنائية تقريراً عن مجموعة من الماركسين هم محمود السيد وحسين الرحال وعوني بكر صدقي ومصطفى علي وغيرهم يجتمعون في غرفة في جامع الحيدر خانة.
والحقيقة أن هذا التقرير يؤشر ظهور أول حلقة من الماركسين العراقيين حاولت تأسيس اول منظمة شيوعية ضمّت كلا من حسين الرحال، عوني بكر صدقي، مصطفى علي، محمد سليم فتاح، محمود السيد، عبد الله جدوع وفاضل محمد.ويقول في هذه اللقاءات عوني بكر صدقي انه عام 1920م كانت اجتماعاتنا في غرفة (السيد) بجامع الحيدر خانة تلك الغرفة التي سميناها آن ذاك بـ(الصومعة)وكانت غرفة مثالية ممتعة وكان رفقاؤنا صفوة من الاخوان الذين لم يكونوا ممن لوثتهم الأطماع والمآرب الوضيعة.
وقد اثر (حسين الرحال) على اصدقائه تأثيرأ كبيرا بسبب ماكان يملكه من قدرة على القراءة بلغات أجنبية متعددة (الانجليزية، والفرنسية، الالمانية، التركية) وبالتالي التزود بالثقافة الاوروبية بالقدر الذي لم يكن الاخرون يستطيعون بلوغه وقد أثر (حسين الرحال) بوجه خاص على محمود احمد السيد الذي تفتحت مواهبه واتضحت جهاته الاشتراكية والانسانية.

عن كتاب
تاريخ الفكر الاشتراكي في العراق