حوار نادر مع شاعر لا تصالح..أمل دنقل: الشاعر يجب أن يرفض الواقع لأنه يحلم دائما بالأفضل

Tuesday 22nd of August 2017 07:03:29 PM ,

منارات ,

في ذكرى رحيل الشاعر الكبير”أمل دنقل”البداية ترصد أبرز ما جاء في الحوار التليفزيوني الذي تم مع الشاعران أمل دنقل وعبدالرحمن الأبنودي في برنامج”أمسية ثقافية”مع الشاعر فاروق شوشة وذلك عام 1982 قبيل وفاة أمل دنقل، ورغم مرضه والهزال الذي كان واضح على جسده، لكن حضور أمل كان مميز وظهر متمساك، يعلق على كافة الأسئلة بعقلية يقظة لم تتأثر بأثار العلاج الكيماوي في علاجه من أخطر أنواع السرطانات، بالإضافة لرفضه الحديث عن مرضه واعتباره أمر شخصي،

لذلك لم يستجب لطلب الشاعر عبدالرحمن الآبنودي بالقاء قصيدة”ضد من”التي علق عليها الآبنودي وقال أنها فرصة لذكر ان الشاعر أمل دنقل مريض. وألقى بدلاً منها قصيدة”حوار على النيل”التي لم تنشر ضمن أي عمل مطبوع لأمل دنقل.
فاروق شوشة:”في غيبة الدور الواعي لكثير من المؤسسات يبقى الدور الواعي لعمل الأفراد، فلن تصل برؤية كلاً منكما لوظيفة الشاعر أو دور الشاعر الآن، ففي الواقع هناك مراحل كثيرة في القضية الوطنية والإستقلال والتحرر،كان الشاعر يُنظر له دائما له على انه شاعر له هتاف سياسي أو شاعر له نغمة معينة من الزعيق الإثارة وقوة الحنجرة، في فترة أخرى كان ينظر له على انه شاعر يدعو الى نغمة فيها شئ من التصوف والعزوف والغناء للنفس وبين هذا المد والجزر كان الشاعر المعاصر بإستمرار يُنظر اليه اين هو. في مقدمة القافلة، في مؤخرة القافلة، مختفي بعيد عن القافلة سحقته القافلة،حملته القافلة لذلك الآن رؤية للدور ليس المطلوب من الشاعر ولكن الذي ينبع من أعماقكما.
كيف يراه الأستاذ أمل دنقل؟؟.
أمل دنقل :
الآن الشاعر أصبح له وظيفة اجتماعية، بصرف النظر عن الموقف السياسي، فيجب على الشاعر ان يكون له موقف اجتماعي من الناس ومن قضايا المجتمع ومن قضايا العصر الذي يعيش فيه.
كل الشعر الذي ظهر ويتبنى شعارات سياسية زاعقة هو شعر لا يحمل الأسس الفنية لتقيمه، كذلك الشعر الذي ينشر في كثير من الأحيان ونجده مجرد ترجمه لنشاطات الصحف، قصيدة في مختلف المشروعات قصيدة حول دخان المصانع قصيدة حول الانجازات الوطنية والاجتماعية وتعبر عنها هذه القصائد، هذه في الحقيقة قصائد ساذجة.
فاروق شوشة معلقا:
أو صحافة شعرية؟؟
أمل دنقل :
ليست صحافة شعرية، الصحافة لها دور تنويري، هذا الشعر تابع اي ان الأفكار تطرح في الصحف ثم يأتي الشاعر بعد ذلك فينظر هذه الأفكار،وهذا أيضا يعني أن الشاعر يجب أن يكون له موقف من المجتمع فهو في حقيقة جوهره هو شاعر معارض، فالشاعر يجب أن يرفض الواقع لأنه يحلم بواقع أفضل، و خلينا نقول حتى لو كان الواقع الذي نعيشه جميلاً فنحن نطمح العالم أكثر جمالاً وأكثر رقة وأكثر شاعرية، من هنا الشاعر يريد أن يحقق المعادلة المستحيلة، أن يجعل الواقع شعراً، ويجعل الشعر واقعاً.
ولإن الواقع لايسعف انما في درجة تختلف عن الحلم، فالشاعر دائما يقف مع الحلم ضد الواقع.
انا ضد أن يفسر موقف الشاعر بأن هذا شاعر سياسي أو هذه قصيدة سياسية، توجد قصيدة واحدة تحمل رؤية اجتماعية سياسية انسانية طبقية غزلية، فلا يوجد في الشعر هذا التقسيم الحاد بين هذه القصيدة وحقيقة هذه القصيدة سياسية هذه القصيدة وطنية.
عبدالرحمن الأبنودي :
أتفق مع الأستاذ أمل ولكن أضيف شئ بسيط على كلامه، دلوقتي ماعدش فيه المسافة بين الذاتي والموضوعي وبين الخاص والعام.. انتفت المسافة واحنا يمكن جيلي جيل الستينات يعني اتحولنا الى يمكن تعبير عن الزمن اللى عشناه.
بعتقد ان احنا أقرب للإحساس بكل ما يدور في العالم الآن يعني الناس اللى قبلنا من حقهم يقولوا نفس الكلام، الناس اللى من بعدنا هيكونوا أنضج , يعني احنا اكتشفنا ان الإنسان لما يكتب الشعر هو يكتب حياته في لحظة وحياتنا ماعادتش الصراحة ما شايفش غير مراتي أو حبيبتي أو شقتي، لا ده كل ما يحدث في العالم يسعدني أو يحزني وهو جزء مني وأنا جزء منه وبالتالي تعبيري عنه ده مش نويت أكتب قصيدة سياسية، لا ده نوعه من ضخ هذا الإحساس اللى بيبقى جاثي على صد الشاعر واللى مش ممكن يستريح منه الا بالصراخ أو التعبير عنه، الصراخ ده مش لازم يكون بالصوت العالي , وفي نفس الوقت ممكن يعني أمل رغم انه قالنا هذا الكلام وهو له قصائد سياسية طوال الوقت وانت تقرأها تقرأ سياسة..لكن سياسية مش راكبة مع ذهن أمل بدبوس، ده شئ طبيعي حقيقي من جوه هزه وأدى به لهذا التعبير.
فأنا مش بقول أكتر من اللى قاله أمل انه احنا مافيش مسافة بينا وبين الناس الآن ,انا لما بقول بقول بصفتي انسان صادق فرد وهو في نفس الوقت تعبير عن كل الناس.
أمل دنقل :
أنا أيضا لا أعتبر نفسي شاعراً سياسيا ولا أعتبر عبدالرحمن شاعر سياسة، انا أعتبر نفسي وأستاذ عبدالرحمن شاعران وطنيين،بمعنى الإحساس بالوطن، الوطن ليس بمعناه السياسي، الوطن بمعنى المجتمع والناس والأرض والتراب والنيل.
فاروق شوشة موجها خطابه للشاعر أمل دنقل :
تراب الوطن كانت أخر كلمة في أخر قصيدة نظمتها،نريد أن نستمع إلى أحدث ماكتب أمل دنقل في اللحظات الأخيرة من اللقاء.
الأبنودي : عايز نسمع قصيدة”ضد من”والله فرصة نقول ان الإستاذ أمل دنقل في هذه الايام يمر بمحنة صحية هو طبعا يرفض هذا الكلام.
فاروق شوشة :
احنا اعتبرنا وجوده في الإستديو رفض للمحنة وتجازو للمرض أو انتصار، لذلك سيفاجأ المشاهدون ان أمل موجود معنا الآن ونحن سرقناه من سرير المستشفى.
الأبنودي :
احنا عايزين نسمع هذه القصيدة اللى فيها المواجهة.
أمل دنقل :
سأقول قصيدة أخرى لأن المرض يتعلق بي وليس قضية تشغل بال أي أحد، القصيدة اسمها”حوار على النيل".. هي حوار دار بين رجل ذو سلطان وبين رجل تابع له يمشي معه على نهر النيل.
- من ذلك الهائم في البريهْ
ينام تحت الشجر الملتف
والقناطر الخيريهْ
- مولاي. هذا النيل
نيلنا القديم
- أين ترى يعمل أو يقيم
- مولاي. كنا صبية نندس في حياضه الصيفيهْ
فكيف لا تذكره؟
وهو الذي يذكر في المذياع
والقصائد الشعريهْ
هل كان قائدا؟
مولاي. ليس قائدا
لكنما السياح في مطالع الشتاء
بالأقمصة القصيرة الأكمامْ
يأتون كي يروه
آه
يصورونه بوجهه الباكي
وكوفيته القطنيهْ
لكي يشهروا بنا
بالنظم الثوريةْ
تعال كي نودعه
في ملجأ الأيتام
مولاي. هكذا تحبه الصبايا والرعاة والأغنام
وأم كلثوم التي كانت تغني له
في وصلتها الشهريةْ
- النيل؟
أين يا ترى
سمعت عنه قبل هذا اليوم؟
أليس ذلك الذي
كان يصاحب العذارى
ويحب الدمٌْ؟
- مولاي. قد تساقطت أسنانه في الفمُْ
ولم يعد يقوى على الحب وألعاب الفروسيةْ
- لا شأن لي
لابد أن يبرز لي أوراقه الرسميةْ
فهو صموت
يصادق الرعاع. يعبر القرى
ويدخل البيوتْ
ويحمل العشاق في الزوارق الليليةْ
- مولاي هذا النيل
- لا شأن لي
بذلك المشرد المجنون
لابد أن يريني أوراقه الرسميةْ
شهادة الميلاد
والتطعيم، والتأهيل
والموطن الأصلي والجنسيةْ
لكي ينال الحق
في الحريةْ.
عبدالرحمن الآبنودي : هقول قصيدة ”وداع”
بودعك قبل الوداع بسنين
يا مليحة القول والفعال
يا طاهرة الشفتين.
واختتم فاروق شوشة اللقاء بقوله :
جميل من بين اللقاء بين الشاعرين المتميزين أمل دنقل وعبدالرحمن الأبنودي، تولد الحقيقة البسيطة التي تختص بجوهر الشاعر، جوهر اليقين والإحساس.

عن موقع أدب ونقد