لو ادرك الارهاب غايته

Monday 14th of August 2017 06:00:40 PM ,

كان زمان ,

لكل موقف من مواقف الجد رجل يسميه الناس سيد الموقف، ويتلفتون إليه، ينشدون فيه بطولة فائقة، او رجولة خارقة، او رأياً رشيدا، او قولا سديداً، واذا كان جمال عبد الناصر في هذه المحنة التي اجتازتها البلاد، هو سيد الموقف من ناحية ثبات القلب، وشجاعة التصرف، فان المرحوم الشاعر احمد شوقي يمكن ان يكون سيد الموقف من ناحية التصوير الدقيق لمثل هذا الموقف من مواقف المحن، في شعره الذي يقول فيه:

وقى الارض شر مقاديره
لطيف السماء ورحماتها
ونجى الكنانة من فتنة
تهددت النيل نيرانها
لقد وقى الله البلاد الشر، ونجاها من فتنة، كانت ستأكل الاخضر واليابس، وتشقي المذنب والبريء، وتصرخ بصوتها الاجش في كل سمع، وتتراءى بصورتها الدامية في كل عين، وتنال بخرابها ودمارها كل مكان.. وليس يستطيع تصور هذه الفواجع على ما ينبغي لها إلا اولئك الين عاشوا من طريق الدراسة والبحث التاريخي في عصور الدول المتتابعة التركية، وراوا كيف كان الطريق الى الحكم مفروشا بالسلاح المحطم، والدم المراق، وكيف كان كرسي الحكم قائما في الشعب على عمد واهنة من المرض المتفشي، والجوع القاتل، والأمن المسلوب.

فرضان لا ثالث لهما
إن الذي يقرأ قضية الارهاب ملخصة يدرك في يقين ان الحكم لو ادرك الارهاب غايته، ما كان ليستقر لطائفة في الامة مهما كانت قوتها، ومهما كانت الوسائل التي تعتمد عليها في الداخل او في الخارج، وليس هناك إلا فرضان لا ثالث لهما: فإما ان يحكم الارهاب حكما سافراً باسم الإسلام، وإما ان تحكم حكومة تحت راية الارهاب على نفس القواعد الراهنة، وبنفس المنهاج القائم.
فاذا حكم الارهاب فان امم الارض سوف تتحامى التعامل معه، وتنفر منه، وتشيح بوجهها عنه، ونتيجة ذلك تعطل الأسواق، وهروب رأس المال، وتعرض الشعب لنزوات فردية، يتحكم بها كل ارهابي في مصر الشعب، ومقدراته جميعاً.
سيقول الارهابي لنفسه: ان خروج المرأة حاسرة الرأس عمل لا يقره الدين، ولهذا فلا بأس ان يفكر في اصدار تشريع يحرم به على المرأة ان تخرج من بيتها إلا على الصورة التي يختارها هو.
وسيقول الارهابي لنفسه: ان دور اللهو من المسارح والسينما عمل لا يرضى عنه الشرع، ولهذا فلا بأس ان يفكر في اصدار تشريح يحرم ارتياد المسارح والسينما، وهكذا كل المظاهر الاجتماعية التي تحيا فيها الأمة، وتتشابك حياتها مع آخرين وافدين اليها من كل الأمم ومن كل الاجناس.

دولة اسبوع واحد!
واذا افترضنا لدي خيال واسع ان يتصور قيام دولة في هذا العصر على هذا النحو، وبمثل هذا الاسلوب من القهر والأرقام، فان اوسع الناس خيالا لا يستطيع ان يتصور قيام هذه الدولة لأكثر من اسبوع او اسبوعين او شهر او شهرين.. ثم يجيء انقلاب آخر على يد ارهابي آخر اقل تطرفا من سابقه، واشد احتكاما الى المنطق الواقع في دنياه، ولعله لا يعدم من النصوص الاسلامية التي يختطفها اختطافا من فم العلماء او من بطون الكتب – من غير نحو او تحقيق – فينفض ما ابرم صاحبه بالامس، ويحمل الدولة على تشريعات اخرى جديدة.. وهكذا تجيء دولة، وتذهب أخرى، دون سبب، وبغير مبرر، إلا ان في يد القائمين على الحكم وسائل الموت وآلات الدمار، يقيمون بها ما يشاءون ويهدمون بها ما يشاءون.

تحت وصاية الإرهاب
والفرض الثاني ان تكون الحكومة تحت وصاية الإرهاب، ومع انني لا استطيع ان اتصور وجود حكومة محترمة تحت وصاية الارهاب فاني سأفترض وجودها مجرد افتراض لأقرر أن ذلك الرجل الذي سيتعامل مع الارهاب ستكون له قوة اخرى اشد سلطانا وامضى سلاحا واكثر عددا من قوة الإرهاب، وفي هذه الحالة سوف يتنكر للإرهاب، وتحاول كل من القوتين ان تتربص بالأخرى وتقضي عليها، ومعنى ذلك ان الأمة سوف تسبح في برك من الدم، وتعيش في جحيم من القلق والخوف والفزع، وهنا لا يستطيع اشد الناس تفاؤلا ان يتصور مصر إلا وقد صرح كل من فيها بقوات الاحتلال ان تعود اليه، قريرة بها عينه، طيبة بها نفسه، لتمنحه الطعام والأمن والاستقرار. ولكن الله جلت قدرته كان ارحم مما ظن المخبولون، وان الله لا يصلح عمل المفسدين.

المصـــور / 1948