الآنسة جولي..فيلم يقع في منطقة وسطى بين المسرح والسينما

Tuesday 8th of August 2017 06:18:49 PM ,

منارات ,

نصيرة تختوخ
فيلم 'الآنسة جولي' تطلب أداء خاصا من البطلة جيسيكا شاستين وزميلها كولين فارل لنقل تعقيدات العمق الإنساني منها إلى المسموع والمرئي.
'الآنسة جولي' يمزج الحقد والرغبة بالسذاجة والضعف
أن يتمّ إخراج فيلم بطيء الإيقاع تدور معظم أحداثه بين بضع حجرات وثلاث شخصيات، لا شك أنه تحد كبير في عصر يستسلم فيه المتلقي بشكل يومي لسرعة تلاحق المشاهد والأحداث وكثرتها.

لكن على ما يبدو أن مخرجة فيلم”الآنسة جولي”النرويجية ليف أولمن، تجاوزت الانشغال بالإيقاع إلى توظيف فن وقوّة المسرح في السينما، لتقدّم عملا يمكن القول أنّه يقع في منطقة وسطى بين الفنين.
قصة فيلم”الآنسة جولي”للمخرجة النرويجية ليف أولمن مستوحاة من مؤلف الكاتب المسرحي السويدي الشهير أوغست ستريندبرغ الذي يحمل الاسم نفسه، وقد تطلبت أداء خاصا من البطلة جيسيكا شاستين (جولي) وزميلها الوسيم كولين فارل (خادمها جون) لنقل تعقيدات العمق الإنساني منها إلى المسموع والمرئي.
وفي المقابل بدت سامانثا مورتون (الخادمة) أقلّ ظهورا من الاثنين في الفيلم، فإن حجم دورها بدا كبيرا بقدرتها على إظهار سمات إنسانية تجمع بين الضعف والقوة كالخضوع والطاعة مع الوفاء للقناعات والمبادئ.
البطلة جيسيكا شاستين قامت بدور جولي في الفيلم
المتابع للفيلم قد ينتبه سريعا إلى اللمسة الأدبية في السيناريو، مما يجعل عبارات تعلق في ذهنه وأخرى تقربه من معاناة الشخصية المتحدثة.
تبوح جولي ابنة البارون للخادم جون فتقول مثلا”لسنا إلاّ رغوة تطفو على الماء حتى نغرق”، ويعبر هو عن الاختلاف والفرق الطبقي بينهما قائلا”أنتم مثل الصقور المحلقة دوما عاليا في السماء، لكي لا تنكشف ظهورهم إلاّ نادرا”.
عدم التوافق الطبقيّ ليس إلاّ جزءا من أزمة الآنسة جولي، التي تبدو في بداية الفيلم تهوى التسلط وإصدار الأوامر واستصغار من هم أدنى منها طبقيا، وينكشف مع تقدّم ليلة الفيلم الصيفية، رهفها وضعف المرأة الطفلة بداخلها.
فخلف محاولاتها لإذلال جون بالغواية وتلذذها بإهانته أمور تتجاوز الاستعلاء الطبقي، أو الحبّ الجارف المتضارب مع الواقع إلى تراكم نفسيّ، حوّلها إلى امرأة لا تلبث أن تصير فريسة يلفها اليأس.
جولي الأوروبية في ثمانينات القرن التاسع عشر، مثل فتيات كثيرات في قارات أخرى في القرن الحادي والعشرين، تحمل شرف عائلتها وديعة، يقابل ضياعها ضياعا كبيرا ينفتح على مصراعيه في قصر البارون، بعد أن تلتبس الأمور بين البطلين، فيمتزج الحقد والرغبة بالسذاجة والضعف.
ويمكن القول إن الحبّ الحاضر كحلم ورديّ، قد تتمنى البطلة الرقيقة الاحتماء به، قد تشكّل في معسول الكلام، لكنّه سرعان ما ذوى لتظهر وجوه الحقيقة الأكثر قسوة.
جولي التي لم ترفق بكلبتها كما فعلت الخادمة سامانثا، تبدو معادلة لها في ضعفها الأنثويّ، تتجاوز منهكة تعبا وسُكرا وخوفا في نهاية الفيلم أسوار القصر، وتعيد المُشاهد إلى الطبيعة السمحة التي استقبلته في افتتاحية الفيلم. ترافق الماء والأزهار في صنع لوحة ختامية، تكرم أكثر من فن في صورة، وينضاف إلى رصيد السينما عمل جديد يشهد انفتاحا للحديث على القديم.

"شيء رائع أن تذهب لمشاهدة فيلم لغرض التسلية. لكن، شيء رائع أيضاً في بعض الأحيان، أن تذهب لا لكي تتسلى فقط بقدر ما تفكر وتتساءل:(ماذا يعني هذا الفيلم؟ ماهي القيم التي يطرحها؟)، أو ربما تغضب وتنزعج أو من الممكن ان تهدأ وتقول:(سوف أصمت قليلاً ولن أتكلم لبعض الوقت). وهذا بالضبط هو ما ينبغي على المشاهد أن يفعله بعد مشاهدة الفيلم. أي أن يكون متمماً للعملية الأبداعية أيضاً وسوف يعثر على أشياء في الفيلم لم يفكر بها الكاتب أو المخرج أو الممثل مطلقاً".

عن الحوار المتمدن