دروس من جين أوستن

Tuesday 25th of July 2017 06:33:44 PM ,

منارات ,

ميراندا سايمور
الطلاب الساخرون لا يقيمون اعتبارات كافية للروائيات اللواتي يوجزن مشاهد حفلات الزواج ولكن يسهبن في مشاهد عروض الزواج والخطوبة، ايما بوفاري حققت لأغلب الباحثين الشباب توقعاتهم في المجال الثقافي بعكس إيما وودهاوس التي تركتهم في حالة الانتظار، حياة الأخيرة كانت ضيقة إلى درجة تثير الرثاء، لم يكن أمامها سوى الكثير من الثـرثرة وسط شخصيات عادية في احدى قرى الريف.

في كتابه عن جين اوستن (التثقف عن طريق جين اوستن) للباحث وليام ديرزي فيكز، يحاول المؤلف التوغل في اعماق السام والفراغ اللذين كانا يحيطان بابطال اوستن، ديرزي فيكس نشر قبل سنوات كتابا اخر عن جين اوستن بعنوان (جين اوستن والشعراء الرومانسيين) اثار اعجابا واسعا، هناك حقيقة عميقة تكمن في التفسير المتسم بالحكمة لأعمال اوستن، فالباحث يطبق اسلوبا جديدا في التفسير على الروايات الست الكاملة لأوستن حيث تكشف الرواية الواحدة عن نفسها كأداة للتثقيف خلال الرحلة المؤلمة نحو بلوغ النضج (وهو احد المصطلحات الرئيسية لدى اوستن للثناء على الشخصيات التي تود ان نحترمها) والحقيقة ان القراء الشباب لا يتقبلون اعمال اوستن بسهولة، فدارسي (بطل رواية الكبرياء والهوى) المنتفخ بالغرور لا يمتلك نصف جاذبية كولن فيرث الذي يتسكع في فلم من اخراج اندرو دايفيز، كاثرين مورلاند البالغة من العمر سبعة عشر عاما تبدو ساذجة جدا بالنسبة للفتيات من سنها في هذه الايام، اما ايما وودهاوس التي لم تتجاوز العشرين، فأنها تبدوعابثة ومتسلطة، فمن من الذين يبلغون السابعة والعشرين في هذه الايام سيشعرون بالتعاطف مع مذلة أن اليوت، وهي إمرأة سمحت لأب متوحش وصديق منافق للأسرة أن يحطما سعادتها مع خطيبها، الباحث يؤكد على افتقار اوستن في التأثير على القراء الشباب، وهي التي كانت مغرمة بهم في حياتها الخاصة، لا زالت ذكرياتي حية عن ابي وهو يقتادني لتناول طعام الغذاء مع رجل مثقف على امل ان يمارس تأثيرا حضاريا على فتى عنيد لم يتجاوز العشرين من عمره، وقبل شروعنا في الاكل يرد اسم جين اوستن، فقلت وبدون مقدمات (انا اكرهها) وكأني اؤكد علىصفة افتخر بها، وبعد ان طلب مني المضيف ان افسر قولي أضفت (شخصيتها سطحية ولا اهمية لها) وبينما اتطلع نحو ما كنت اتوقعه من نظرات الاعجاب شاهدت تعبيرا غريبا على وجه المضيف، تعبيرا يمتزج فيه الاستمتاع مع الاحتقار، وكان على ان امضي خمسة اعوام قبل ان افهم غطرستي المثيرة للخجل، كنت قد تخيلت إيما في اسوأ حالاتها، ويبدو ان هذه الحالة الاسوأكانت نقطة التحول لدى ديرسي فايكز والتي تحول بعدها نحو فهم اخر، المشهد الروائي الذي علمه ان يفهم مدى دقة تلاعب اوستن بالقارئ هو مشهد النزهة، حيث تطلب إيما، الواثقة من نفسها دائما، من الأنسة بيتس الرقيقة الا تتفوه بالتفاهات اثناء تناول الطعام، الانسة بيتس تحمر من الخجل والألم ولكنها تتقبل حقيقة انتقادات إيما لها، القارئ لن يجد امامه من خيار اخر سوى الإعجاب، مهما كان ضئيلا، لهذا التواضع، ورغم القدرة النقدية الحكيمة لدى الباحث فأنه اقل مهارة فيما يتعلق بنوع (المذكرات) الصديقات يأتين ويذهبن، اب متسلط يوصف وهو يعاني من حالة مستمرة من الإضطراب، الخبرات الشخصية وسط حركة شباب يهودية ترمي ثقلها على جماعة طيبة تتحدث عنهم اوستنفي منزل هارفيل بينويك في رواية (الإقناع) Persuasion، وكما في الفقرة المثيرة التي تقدم ما هو مناظر للحياة الحقيقية لأهالي كروفورد من ذوي الطموحات الاجتماعية في رواية مانسفيل برك، زوجة الصديق الثرية تنصح زوجها وصديقه (انتظرا بضعة سنوات اخرى وسوف تصبحان قطعة لحم شهية) هنا فصل هذه العبارة عن بقية النص اشبه ب نصل سكين يقطع في بيان هام ليناظر اسلوب اوستن ويزعم بانه علمه الفن الصعب في القاء المحاضرة، والذي مكن اوستن من ان تضع القاون الخاص ل قرائها،وبعكس كتاب ديرسي فايكز فأن بحث راشيل براونستاين المعنون (دروس من جين اوستن) يقدم منظورا مختلفا لادب اوستن، فهي تخاطب قرائها من مرتفع يثير الدوار، فهي ناقدة من الدرجة الاولى بينما تعرض تفاصيل تحف اوستن، وهي صفة كان والتر سكوت يدركها ويمتدحها بسرعة، فهي تنطلق من التزامها الأخلاقي تجاه الاخلاقيات التي كانت اوستن تدعو اليها، وأنا اغفر ما هو اسوأ لدى اوستن بسبب المتعة التي انالها من التعلم كم كانت اوستن ماهرة في زرع بذور الشك وعدم الثقة في نفوسنا تجاه شخصياتها، بعد فراغي من قراءة كتابها اجد نفسي مدفوعا لتقديم مقترح واحد، وهو ان براةنستاين كانت مترددة مثلما كان ليونيل تريلنغ كان يمتنع من وضع اوستن في الموقع الملائم لها، فهي تعلن بان المتحذلقين، ومن دون ان تقدم الدليل الكافي، هم من بين المعجبين الثابتين لأعمالها، ولكن بينما لا تنتمي أوستن للارستقراطية فأنها لا تنتمي ايضا للطبقة الوسطى الصاعدة، فهي لم تكن بحاجة إلى ان تصنف من ناحية الانتماء الطبقي، وإذا كان ينبغي تصنيفها على نحو ما فأعتقد بان طبقة القسس، وهو موقع تستطيع من خلاله ابنة القس ان تشاهد وتقيم جميع المظاهر الكوميدية لسلسلة كبيرة من الشخصيات المحيطة بها.

عن / نيويورك تايمز