صموئيل بيكت... بين العبث والسخرية

Tuesday 20th of June 2017 06:45:28 PM ,

منارات ,

عامر صباح المرزوك
نشأ مذهب العبث في الأدب الأوربي وانتقل إلى الآداب العالمية المعاصرة بصفة عامة، والدول التي عانت من الحرب العالمية الأولى والثانية بصفة خاصة، وهي الدول التي فقدت ثقتها في مجرد المسلك العقلي المنطقي الذي يمكن أن يدمر في لحظات كل ما يبنيه الإنسان من مدنية عندما تحكمه شهوة السيطرة والتدمير، ويعد صموئيل بيكيت الرائد الأول لهذا المذهب.

ولد صموئيل في ايرلندا يوم 13 نيسان 1906م لأبوين انكليزيين ـ ايرلنديين وظل متنقلاً في أوروبا عدة سنوات مارس فيها التأليف وأعمالاً أخرى حتى استقر في فرنسا سنة 1937م، وتلقى تعليمه في جامعة دبلن حيث درس الأدب فيها، وحصل على منحة لعامين من (مدرسة المعلمين العليا) في باريس ليعود الى دبلن استاذاً في جامعة (ترينتي كولدج).
استهلّ بيكيت تجربته الكتابية شاعراً بالإنكليزية ونشر قصائده في مجلات عدة في دبلن وباريس. وعندما شجّعه احد الناشرين في باريس على نشر ديوانه حيث تم نشره على حسابه الخاص في باريس في عام 1935م، وقد ترك القصائد الاولى التجريبية التي كتبها اذ نشر قصائده المكتوبة بين العامين 1928 ـ1935م وترجم العديد من الشعر الإيطالي والفرنسي وما يثير الاستغراب انه كان ربما أول مَن ترجم بعض الشعر السوريالي الفرنسي إلى الإنكليزية من خلال قصائد لـ(أندريه بروتون) وللشاعرين (بول إيلوار) و(أندريه كروفيل)، وترجم كذلك قصائد لـ(رامبو) و(أبولينير) مثلما ترجم لبعض الإيطاليين ومنهم (أوجينيو مونتالي).
ألف العديد من الروايات وبعدة لغات حتى نشر روايته الأولى (ميرفي) بالانكليزية في عام 1938. وتليها رواية (وات) 1958م، ومن ثم ثلاثية (مولي) 1951م و(مالون يموت) 1951م، و(المعتذر) 1953. الا ان مسرحياته هي التي اكتسبت الشهرة العالمية.
اهتم في مسرحياته بالعلاقة بين الإنسان والله، وتصوير اللامعقول في حياة الإنسان، فأعماله تدين الحضارة الغربية والتصنيع، وبفضل قوة أسلوبه تمكن بيكيت من تحويل مسرحيته إلى ضرب من السيرك وشخصياته إلى مهرجين.
ويقول احد الباحثين: ((ان ظهور مصطلح المسرح الهزلي كان بعد الحرب العالمية الثانية في أعمال لكتاب مثل صامويل بيكيت، وأوجين ايونسكو، وتحمل المسرحيات الهزلية صبغة الضحك والهزل إلا أن التطبيق يحمل المعنى الذي جاء به المفكرون الوجوديون وهو أن الإنسان بعيد عن الانسجام مع نفسه وأنه بدون المعتقدات الميتافيزيقية يجد نفسه في منفى. رغم أن كتاب هذا النوع يأخذون في أعمالهم من التراث التجريبي للمسرح الحديث عند سترايندبرج، وجاري، والكتاب الذين أسسوا السريالية والتعبيرية، إلا أنهم يستغنون عن بعض العناصر التقليدية كالحبكة المترابطة (إن كان هناك حبكة أصلا) وكتصميم خشبة للمسرح أو الشخصيات السوية نفسيا)).
لم تنشر مسرحيته الأولى (ايلوثيريا) 1946م ولم تمثل، ولكن مسرحية (في انتظار جودو) قدمت أول مرة في باريس في عام 1953م وسرعان ما عرضت في أنحاء العالم كافة لأنها تعد احد أركان مسرح اللامعقول ولأهمية هذه المسرحية فهي تدرس في اغلب كليات الفنون كنموذج أول لمسرح اللامعقول هذا نظرياً اما بالنسبة للجانب العملي فتم اخراجها لعدة مرات وعلى مسارح مختلفة ولعل اخر من اشتغلها هو المخرج العراقي الشاب (حاتم عودة) واسماها (وداعاً غودو) وتم عرضها في مهرجان بغداد المسرحي 2003م ومهرجان دمشق 2004م ومهرجان اسطنبول بتركيا 2005م وحصلت على العديد من الجوائز.
وكتب مسرحية (نهاية اللعبة) 1957م ومن ثم تلتها مجموعة من المسرحيات القصيرة باللغة الإنكليزية، وبعد ذلك كتب تسع مسرحيات صامتة قصيرة. اما مسرحية (الأيام السعيدة) كتبها بالإنكليزية ايضاً وكانت من المسرحيات الطويلة وقدمت أول مرة في نيويورك عام 1961م. وبعدها فترة كتب مسرحية (تعال واذهب) 1965م. الا ان مسرحية (في انتظار جودو) تبقى ـ بلا شك ـ من ابرز مسرحيات القرن العشرين وأكثرها تأثيراً.
ونشر احد أبرز المهتمين بأدب بيكيت وأصدقائه (جيمس نولسون) كتابه (بيكيت ذلك العظيم المجهول) وفيه كشف حساب لحياة الأديب سجلت عن كثب وتأريخ لمواقفه من الكتاب والمسرح والحياة والناس مع إضاءة لأعمال كانت مجهولة ولحياة بيكيت التشكيلية ومعاناته والكثير من أسباب انطوائه على نفسه وشخصيته المعقدة.
هذا مختصر من منجز الكاتب الكبير الذي اشتغل في رصد الإشكال الأدبية فهو شاعر وروائي وصحفي ومسرحي. وليس اقل من دليل انه تثميناً لجهده الثقافي الكبير حصل على جائزة نوبل لعام 1969