فــي الســـــــرّ .. مجموعةٌ من الشعر الغنائي المقتضب لشاعر اليوناني

Saturday 20th of May 2017 07:19:49 PM ,

ملحق اوراق ,

ترجمة: عباس المفرجي
لا أعرف إن كان لها نفس المعنى في اللغة اليونانية، لكن في الفرنسية، en secret [ خفية ] هي عبارة موسوقة، مع دلالات مألوفة لكلمة ’’ سرّ ‘‘، لكن أيضاً لعبارة”في سجن العزلة”، التي تبدو ملائمة لشعر رجل قضى جلّ حياته يقاوم الفاشية، أحياناً في السجن.

يانيس ريتسوس (1909- 1990) هو واحد من أبرز شعراء اليونان في القرن العشرين. مبجّل في وطنه وفي الخارج، وهو أشبين متواتر على قائمة جائزة نوبل. كتبَ بسعة وغزارة؛ يقدّم لنا مترجمه، ديفيد هارسنت، في هذا الكتاب الجذاب مجموعة من قصائد غنائية قصيرة، العديد منها سياسية، تُظهِر تعاطف ريتسوس مع حياة شعب بسيط : نساء يهويّنّ الملاءات، بثياب حداد ((يجرّنّ أقدامهنّ على الطريق... رؤوسهنّ مطأطأة... مرتديات معاطف لم تعد تناسبهنّ)) : الحمّالات الأبديات.
اسلوب ريتسوس سهل لكنه أنيق؛ جُمَله بيانية على نحو متحفظ، وحتى رتيبة؛ مع ذلك، بين الأسطر ثمّة قدر يجري. القصيدة الأولى،”كسر في الروتين”، تتحدث بصيغة الضمير عن زعماء القضية :

أتوا الى الباب وقرأوا
اسماءً من قائمة.
إن سمعتَ إسمك عليك أن
تتهيأ على عجل :
حقيبة مفجرة، صرّة
يمكنك حملها
على كتفك، ربما؛ إنسى
البقية.
مع كل رحيل جديد، لاح
المكان ضيّقاً.
هو بذلك يؤثر في القارئ للفصل بين الخيّرين، الذين لا يبقون في الغالب كذلك، ومضطهديم؛ ويوحي بالطبيعة اللاإنسانية (المستبدة) للطغيان. تفاصيل مقتضبة لكنها متماسكة، تكفي لرسم حالة وإمكانيتها لكوميديا سوداء – في”كسر في الروتين”(لاحِظْ السخرية في العنوان) ثمّة حكاية تتضمن ساعة منبهة.
العديد من القصائد لها عنصر سريالي، إنها تضع شيئاً بجانب آخر اكثر مما تتقدم زمنياً أو على نحو منطقي، من السبب الى النتيجة؛ إنها تحتوي على صور ملغزة ومروّعة تمنح القارئ متعة استكشاف الصلات، أكثر شبهاً بما نفعل حين ننظر الى لوحة تكعيبية تضم أشكالاً وسطوحاً مستوية ملونة، أو لوحة سريالية بريشة، لنقل، دي كيريكو، مع مشاهد حلمية ثابتة. هنا قصيدة”الاكروبات”، موضوع أثير عند بيكاسو وابولينير :

مشى عل يديه، بإتقان تام
مقلوباً.
إذ بدا إنه يجعل من الماضي
حاضراً، والحاضر ماضياً
عندذاك انفتح السقف
وإبتلعه.
نظرنا الى بعض : منْ
سيصدقنا بحق السماء؟
بعد برهة، رنّ جرس الباب.
كان واقفاً هناك وبيده سلّة
برتقال.
إنها براعة الكلمة، وفتنة على نحو مطلق. ربما الطريقة المثلى لقراءة قصيدة مثل هذه هي تقليب الشيء بين يديك المرة تلو المرة حتى تبلغ الاحساس به. وكما مع ابولينير، والسرياليين الذين برزوا بعد الحرب العالمية الأولى، حضور النساء قوي جداً؛ هذا يغذي مصدر الوحي الايروتيكي : ((يظن أنه لا بد أن تكون إمرأة في كل مرآة، عارية، حبيسة فيها. / يظن أن المرأة التي يفكّر فيها نامت // تشمّ رائحة واهية لنجمة بعيدة، / النشفة عينها من سفعة هي التي تبقيه الآن يقظاً)) (قصيدة”النجمة ذاتها”). أبطال قصيدة ريتسوس، ذكوراً وأناثاً، هم على حد سواء فريسة لهول الحياة اليومية : ((رجال ونساء. حدائق وكتب. إنهم يأتون ويذهبون. / وذلك الرنين الخافت الذي سمعته / قبيل الفجر تماماً، لم يكن قدوم ساعي البريد. / كان الجرس القديم لكبش المقدمة، يقود خرافا للذبح.)) (“الجرس”).
كتاب”في السرّ”، الذي يدعوه ديفيد هارسنت ((اقتباساً أو تحية تقدير)) أكثر منه ترجمات قريبة، سيكون إضافة جميلة لرف كتب ريتسوس في مكتبتك، أو بداية جيدة لوضع رف خاص به.

عن صحيفة الغارديان