إشكالية الإقحام و”الفبركة” في رواية ”بهار

Saturday 20th of May 2017 07:00:42 PM ,

ملحق اوراق ,

عدنان حسين أحمد
لا يجد بعض الكُتّاب المبتدئين حرجًا في إصدار عملهم الأدبي الأول حتى لو كان مُكتظًا بالأخطاء اللغوية التي تُفسِد متعة القراءة، ومُحتشدًا بالصياغات المُهلهلة التي تشير من طرف غير خفي إلى عدم احترام ثقافة القارئ الذي يجد لذّة كبيرة في قراءة النص الأدبي المُتقَن الذي ينبغي أن يحلِّق بالمتلقّي إلى فضاءات مليئة بالكشوفات والتجليات والمواقف المدهشة،

فما بالك بكاتبٍ لا يفرِّق بين همزة الوصل وهمزة القطع، أو لا يميز بين الضاد والظاء، أو لا يعرف حكم العدد مع المعدود من حيث التذكير والتأنيث وهَلُمَّ جَرًّا؟ والكاتب الذي نعنيه هنا هو عامر حميوّ الذي تعوزه الخبرات الأدبية ليس في اللغة حسب، وإنما في تقنيات كتابة النص الإبداعي سواء أكان قصة قصيرة أم رواية أم مسرحية وهي الأجناس الإبداعية الثلاثة التي يكتب فيها وقد نشر بعضها في مجلات”الشرارة”و”السنبلة”و”الثقافة الجديدة”التي تكشف من دون شك خلفيته السياسية، وقناعته الفكرية التي نحن بصددها قدر تعلّق الأمر بثيمة الرواية وما شابها من إقحام لعدد من المواقف المفتعلة التي كشفت عن طويّة الكاتب الطائفية التي أضرّت بالنص الروائي وانحدرت به إلى الدرك الأسفل من التشويه و”الفبركة”المُتعمدة التي تُرسِّخ، مع الأسف الشديد، النزعة الطائفية التي استقدمها السياسيون الجدد بكل أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم وإلاّ فما هي الحاجة لأن يُعرّف الكاتب شخصياته المحورية الثلاث بهار وفيفيان وآمال بطوائفهن وأديانهن ليقول بأنّ الأولى إيزيدية،والثانية مسيحية، والثالثة شيعية؟ ألا يعرف القارئ الكريم سواء من سياق النص أو المِحن التي ألمّت بهنّ بأن بهار إيزيدية كردية، وأن فيفيان مسيحية، وأن آمال شيعية من دون الحاجة إلى ذكر الطوائف والديانات التي تكرِّس الحس الطائفي البغيض الذي يقسِّم العراقيين إلى”روافض ونواصب وذميّين”كما جاء في مواضع كثيرة من الرواية.
دعونا نتفحص الثيمة الرئيسة التي وردت ضمن الأنساق السردية للأصوات المتعددة للرواية بدءًا من بهار وفيفيان وآمال وهناري وروشي، مرورًا بأبي براء وفاروق وأبي قتادة، وانتهاءً بالطبيب وسكمان ووالد بهار وغيرهم من الشخصيات التي ظهرت واختفت على مدار النص الروائي. على الرغم من أن الرواية تقوم على أفكار متعددة كالخطف والأسْر والسبي والاغتصاب والهروب إلاّ أنها تخلو من ثيمة مهيمنة تشعّ على مدار النص وتغذّيه مثل النسغ الصاعد الذي يبقيها حية نابضة. وبما أن بهار هي الشخصية الرئيسة فإن ثيمة الرواية ينبغي أن تنطلق منها، وليس من شخصية أخرى لكن الروائي لم يمدّها بهذه الفكرة الطاغية التي يجب أن يستشعرها القارئ بين أوانٍ وآخر. لعل صدمة الأسْر هي السبب الذي جعل من بهار شخصية سلبية، مشلولة أول الأمر لكنها سوف تتحول لاحقًا إلى كائنة إيجابية تفكر بالهرب، مع صديقتها فيفيان، من سجّانهما الداعشي. لم تكن بهار ضعيفة واهنة العزم فقط، بل كانت في طريقها المؤكد إلى الموت حيث تقول:"كنتُ ألوب بين يديه ألمًا مثل سمكة أخرجها الصيّاد على جرف الشاطئ وتركها تموت"(ص35). وبُغية تجميع الثيمة المشتّتة فلابد لنا أن نبحث عن بعض الشذرات الضائعة بين طيّات النص وتضاعيفه، وبما أن بهار وفيفيان تعرفان أهمية الكتابة كنوع من التنفيس عن المكبوتات الداخلية فلابد لنا أن نضيف شذرة الكتابة كثيمة علاجية تتجاوز فيها الانتكاسة السابقة، وتنتصر فيها على الجانب السلبي المتمثل بالضعف الإنساني الذي يمكن أن ينتاب أي مخلوق على وجه البسيطة. يقول الطبيب النفسي مُخاطبًا بهار:"ألمْ تدرسي أنّ الكتابة لمن يُقهَر تفريغ لكبْتِه الفكري والنفسي؟"(ص20) ثم يحفّزها على البوح وينصحها بألاّ تطمرَ أي حادثة أو ذكرى مهما كانت قاسية أو أليمة، وليس هناك أشد إيلامًا على المرأة من الاغتصاب والاستعباد الجنسي. ثمة سبب آخر للكتابة قد يكون أخلاقيًا مفاده عدم تغييب الصوت الثالث الذي ماتت صاحبته نحرًا في ساحة عامة، هذا الموت الزؤام يجب أن يظهر للعلن سواء بصيغة مناجيات أو يوميات أو مذكرات شخصية.
لابد من الإشادة بالبنية المعمارية للرواية التي تداخلت فيها الأحداث، وتشابكت فيها الأزمنة الأمر الذي أنقذ النص من الرتابة خصوصًا وأنّ المناخ العام دايستوبي يبدأ بقتل”شمّو”واغتصاب بهار وفيفيان، ونحر آمال بطريقة بشعة تقشعر لها الأبدان، ثم يمرّ بحرق روشي لنفسها في سجن بادوش، وجَلد هناري بوصفها محرّضة على الفتنة داخل السجن، وينتهي بعملية الهروب الناجحة على الرغم من أن الخطة التي دبّرتها بهار وفيفيان لا تتوفر على الصدق الواقعي أو الفني، فمن غير المعقول أن يظل هذا البيت المنفرد لأبي قتادة بلا حراسة مشددة، وأن عملية الهروب ستكون سلسة وكأنها نزهة ليلية وليست تخبطًا في الأرض الحرام.
لم تخلُ عملية الهروب، على علاّتها الفنية، من عناصر الشدّ والترقّب والتشويق وكان بإمكان الكاتب أن يذهب بهذه المغامرة إلى أقصاها لأنها تنطوي على إمكانية تثوير الجانبين الوصفي والتعبيري في آنٍ معًا، وكأنّ الكاتب لا ينقذ فتاتين محطّمتين ومسبيّتين حسب وإنما ينقذ أمة مسبيّة بكاملها.
بدت قصة الحب الوحيدة بين بهار وسكمان باردة رغم أن هذا الأخير كان يعرفها في السنة الرابعة من دراسته الجامعية في قسم علم النفس في كلية الآداب بجامعة الموصل، ومع ذلك فهو يطلب يدها من والدها الذي عاد من السويد ليشهد خلاص ابنته من محنة كبيرة وارتباطها الروحي بـ”سكمان”الذي تعهّد أمام الملأ بأنه سيضعها بين عينيه.
أخضع الكاتب نصّه إلى مواقف مسبقة لا علاقة لها بالمناخ الروائي مثل زج”السيدة”بوصفها مشرفة على مذابح سبايكر بينما يعرف الجميع أنها مٌقيمة بعمّان وأن لقاءاتها الإعلامية محدودة جدًا كي لا تُسبب حرجًا للدولة المضيفة. كما أن الإشارة إلى انكسار الجيش العراقي السابق وخروجه من الكويت ليس له ما يبرره في الرواية لأن فضاءها يتمحور على هزيمة الجيش العراقي في الموصل، ثم تبعها انسحاب القطعات الكردية من سنجار الأمر الذي أفضى إلى ارتكاب هذه الجرائم الشنعاء بحق المكوّن الإيزيدي. هذه المعلومات المُستهلكة يوميًا على شاشات التلفزة لا تخدم الرواية لأنها معروفة سلفًا ولا تنطوي على شيء جديد يفاجئ القارئ أو يدهشه.
وفيما يتعلق بالأخطاء اللغوية فهي كثيرة جدًا ولا يمكن حصرها في هذا المجال الضيق وهي تبدأ باسم الكاتب”حميوّ”الذي شُدِّد مرة على الياء وأخرى على الواو، كما أن هذا التشديد قد امتدّ إلى اسم”بهّار”الخالي من التشديد أصلاً. أما همزة الوصل في الأسماء والأفعال فهي كثيرة ولعلها تقرب من خمسين خطأً أبرزها”إبنته"،”إسمك"، وماضي الفعل الخماسي والسداسي والأمر منهما ومصاردهما مثل”إحتفلت"،”إقتربت"،”إنزعي"،”إستطالت”التي يجب أن تُكتب خلوًا من الهمزة لأنها همزة وصل. ومن أبرز أخطاء العدد والمعدود نذكر”ثلاثة سبايا"، و”خمسة دقائق”والصواب”ثلاث سبايا”لأن العدد يخالف المعدود من (3-10) تذكيرًا وتأنيثًا. وفي عدم التفرقة بين الضاد والظاء نشير إلى”غيضًا”وصوابها”غيظًا”الذي يعني أشد الغضب، وفي الصفات اللونية هناك عشرة أخطاء من بينها”أحمرًا مسوّدًا”وصحيحها”أحمرَ مسوّدًا". ثمة قصور لغوي في صياغة العديد من العبارات مثل”صالحها الحظ”وهو يقصد”حالفها الحظ”أو”يتجول مرتخيًا”وهو يعني ”مسترخيًا” أو”تهلهل البشر”وصوابها”تهلل البِشر”وما إلى ذلك من أخطاء كثيرة تزعج القارئ وتؤرِّقه.
لا شكّ في أن الكاتب عامر حميوّ يتحمل مسؤولية هذه الأخطاء الجسيمة وكان عليه أن يعرض مخطوط روايته على خبير لغوي قبل أن يدفعها للنشر طالما أن بعض هذه الدور لا تفرِّق بين القمحِ والزؤان.