عبد الفتاح ابراهيم ودائرة التحقيقات الجنائية

Wednesday 17th of May 2017 06:34:28 PM ,

عراقيون ,

د. زينة شاكر سلمان
أسس عبد الفتاح إبراهيم جمعية الرابطة الثقافية عام 1944 التي تضم في عضويتها عدداً من اليساريين ممن انشق عن الأحزاب الشيوعية السرّية أو كان يحمل العقيدة الماركسية من دون أن ينضم إلى مؤسسة من المؤسسات السرّية أو العلنية أمثال كامل قزانجي وناظم الزهاوي وعبد الجبار عبد الله، ومحمد مهدي الجواهري وخدوري خدوري وغيرهم،

وكان هدفها مكافحة النزعات النرجسية وبث الثقافة القومية الديمقراطية والبحث في أمور العراق الاجتماعية والاقتصادية.

كما أصدرت هذه الجمعية مجلة الرابطة والتي أصبحت فيما بعد أساساً لفلسفة حزب الاتحاد الوطني الذي تأسس مع بقية الأحزاب العلنية في نيسان 1946 والذي ضمت قيادته عناصر مثقفة أمثال موسى صبار (محامي) وادور قليان (محامي) وجميل كبة (محامي) وموسى الشيخ راضي (معلم) إضافة إلى الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري الذي ذكر تقرير أمني خاص صادر عن الشعبة الخاصة أنه من العاملين في الحقل الشيوعي رغم كونه لايعترف صراحةً بذلك، وإنما يعترف هو بانتسابه لما يسمى بحركة أنصار السلام التي هي في الحقيقة ليست إلا وجهاً من الوجوه التي تتستر تحتها المبادئ الشيوعية، كما ضم الحزب في صفوفه الطبقة المتوسطة من التجار وقلة من العمال أمثال التاجر عطا البكري، فقواعد هذا الحزب كحزب الشعب مؤلفة من الشيوعيين وأكثرهم من المثقفين سواء منهم من انشق عن الأحزاب الشيوعية أو من رجح العمل العلني على السرّي أو من كان يحمل العقيدة الماركسية من دون أن ينضم إلى مؤسسة من المؤسسات السرّية، فقرر الانضمام إلى هذه الجماعة لأسباب شخصية وغير شخصية. وبما أنّ قيادة الحزب مؤلفة من جماعة أغلبها من الماركسيين وبعضها من الأحرار، وفي مقدمتهم زعيم الحزب عبد الفتاح إبراهيم الذي كان قد تأثر بالفكر الاشتراكي والفلسفة المادية منذ أن عاد من الولايات المتحدة عام 1935، فكان لابدّ أن يأخذ حيزاً من عمل التحقيقات الجنائية إلا انها غضت النظر عنهم لكونها دائرة مسيرة لرغبات الحكومة لاسيما بعد أن أظهر الإنكليز رغبتهم في مكافأة العناصر الشيوعية التي انقلبت على المانيا النازية وعلى القوميين العرب وأعلنت عن مساعدتها للحلفاء بعد انحياز الاتحاد السوفيتي اليهم، إلا ان ذلك لم يكن إلا مدة وجيزة، فقد عاودت نشاطها في مراقبة الحزب، إذ اتخذ الحزب من صحيفة الرأي العام التي يصدرها محمد مهدي الجواهري منبراً للحزب لتوضيح آرائه وأفكاره الفلسفية فنشرت الجريدة منهاج الحزب الأساسي ونظامه الداخلي وبعض المقالات لأعضائه.
دعا الحزب إلى تعزيز كيان العراق واستكمال سيادته وتوثيق الروابط القومية بين العراق والأقطار العربية وتوسيع مجال التضامن السياسي والتعاون الاقتصادي والثقافي ومكافحة الصهيونية والعمل على حل قضية فلسطين عن طريق تحقيق استقلالها، وجلاء القوات البريطانية عن العراق وطالب بإلغاء المعاهدة العراقية-البريطانية لعام 1930 لأنها أصبحت بحكم ميثاق الأمم المتحدة ملغية. كما دعا الحزب إلى توحيد الحركة الديمقراطية فكتب عبد الفتاح إبراهيم عدة مقالات في صحيفة الرأي البغدادية بهذا الشأن. أصدر الحزب نداءً في الرابع عشر من نيسان 1945 إلى حزب الشعب والحزب الوطني الديمقراطي دعاهما إلى تحقيق فكرة الحزب الديمقراطي الواحد وقدم عدداً من المقترحات بهذا الشأن كما أصدر نداءً ثانياً أكد من خلاله ماورد في البيان الأول، إلا ان محاولاته باءت بالفشل. عقد الحزب مؤتمره الأول في الثامن والعشرين من نيسان 1946 في بناية مدرسة التفيض الأهلية لانتخاب أعضاء اللجنة المركزية التي فاز فيها عبد الفتاح إبراهيم وناصر الكيلاني وغيرهما، إذ بلغ عددهم خمسة وعشرون عضواً وله مكتب سياسي يتكون من خمسة أفراد وهم أعضاء في اللجنة ذاتها، ولم يكن الحزب يؤمن بالقيادة الفردية وإنما كانت قيادته جماعية، وعلى الرغم من ذلك عُدّ عبد الفتاح إبراهيم رئيساً للجنة السياسية وبما ان الحزب قد تبنى الفكرة الماركسية وكان الحزب الشيوعي العراقي السرّي قد أوصى المنتسبين إليه أن يتقدموا بطلبات انتماء لحزب الاتحاد الوطني، مما يدلل على علاقة الحزب بالحزب الشيوعي والدليل الرسالة التي بعث بها فهد إلى عبد الفتاح إبراهيم وعزيز شريف حول انتقاده الجادرجي وانعطافه يميناً في أوائل كانون الأول 1946.من البديهي لدى مديرية التحقيقات الجنائية أن كل حزب مجاز هو حزب مراقب من قبلها سواء أكان يمينياً أو يسارياً وبحسب الوضع العام للبلد، إلا ان الأحزاب ذات الطبيعة الماركسية تكون مراقبة أكثر، نظراً لمواقفها المعارضة للدولة وبالتالي كان لحزب الاتحاد الوطني مواقف جريئة في انتقاد أعمال الحكومة، ففي الثلاثين من آب دعا إلى اجتماع له مع حزبي الشعب والوطني الديمقراطي ورفعوا احتجاجاً ضد سياسة حكومة أرشد العمري وممارساته القمعية ضد المواطنين مطالبين بتنحي العمري وإقامة حكومة دستورية، الأمر الذي أدى إلى تعرض قادة حزب الاتحاد الوطني للمطاردة متهمين بالإخلال بالأمن العام وقد أوقف كل من عبد الفتاح إبراهيم وناظم الزهاوي وموسى الشيخ راضي وأطلق سراح عبد الفتاح وراضي، في حين حوكم الزهاوي وسُجن لمدة ستة أشهر، وقاطع الحزب انتخابات نوري السعيد وساهم مع بقية الأحزاب في المطالبة بحل المجلس وإجراء انتخابات نيابية حرة.

(التحقيقات الجنائية في العراق وموقفها من الأحزاب الوطنية 1921- 1957)