محــض نـــزق افتراضــــي.. قراءة في كتاب سكايينغ للشاعر عقل العويط

Saturday 25th of February 2017 06:13:38 PM ,

ملحق اوراق ,

ضحى عبدالرؤوف المل
منح "عقل العويط " لنفسه الموت في كتابه "سكايبينغ" الصادر عن" دار نوفل" ليضفي عليها قيمة الانتباه والتعقل والرؤية التي تقودها فلسفة الموت والحياة. وكأنه لا يحيا ضمن الزمان والمكان والحقيقة التي ينتمي اليها في ذكريات تستنبشها امرأة تؤمن بالنفس وحاجاتها. الا ان الخروج من الحياة لم يصبه الانطفاء،

بل انتقل الى برزخ الافتراض الذي " بدأ عند فجر او ما بعد منتصف الليل " محاورا امزجة استدرك انها خرجت من الواقع البعيد، ودخلت في متاهة المعرفة التي تتصف بالخروج من القيود للدخول في دوامة الانسان التائه من شدة الوقائع التي تجري في الحياة. او بالاحرى العمر الناضج والزاخر بالمرارة التي يحاول الهروب منها عبر صفحة محادثة على شاشة الكمبيوتر او شاشة الواقع الافتراضي التي بات يلجأ اليها من اصابه الوهن او من يبحث عن علاقات انسانية لا ترتبط الا بعبارات تصيب الذهن بجرأة لا تعترضها الفلسفات، ولا تفيدها الظروف، بل تحاور كل قارىء يريد الاعتراف بما في نفسه من شر او خير او حب او كره او كل متناقضات مسجونة بين زواية صفحة محادثة تنفلت فيها المشاعر عبر فضاءات تحلل فيها الارواح وتنصهر مع الجسد الحسي او الاثيري، بفيض من سخونة وبرودة لا ينكمش فيها الجسد ولا تتجمد فيها الروح للعيش ضمن متعة البقاء الذي يصارع الذات بجدلية الافتراض ومكوناته الحسية التي باتت لغة الانسان في العصر الحديث.
تحولات تدخل في طور النمو الرافض للتأويلات الحياتية التي تكسر جمود الواقع بالافتراض اللذيذ. او الخدر الذي يصنع من العوالم الافتراضية امكنة متنقلة ضمن الزمن، في شاشة لا تتسع لرجل وامرأة، لانها شاشة لا متناهية والمستحيل فيها هو الممكن المتوحد مع الخيال، لتنبثق كلمات "عقل العويط" من اللاوعي وتصب في كينونة الوعي الادبي نفسه حيث التأويل يشطح ويحاول خلق دلالات عبارة عن اصطدام الواقع بالافتراض عبر محكمة الذاكرة، وجنون كسر الحدود التي لا يمكن كسرها. الا باستخراج عمق الرؤية من البصيرة الافتراضية التي لجأ اليها "عقل العويط" لخلق حالة لغوية افتراضية مجلجلة بالمقبول واللامقبول، والمجاز المساهم بخلق حالة من الاحتكاك المعنوي عبر دائرية الزمن. ليصبح الانسان في تفرده حالة تتفاعل معها الاشياء من حوله وخصوصا المرأة مع الرجل الذي اصابه ترهل الزمن او توقف الذكريات، لتحيا فجأة في مسار محادثة افتراضية تؤسس الى تآلف بين الارواح التي تشاكس اجسادها ماديات الحياة، وما تنطوي عليه محادثات الواقع من نسيج عصبي قد يتوافق معه البعض وقد يختلف، وفي الحالتين هي استجلاء العوالم وتغيراتها الحديثة التي تصيب الانسان بالذهول، فتنتابه الخواطر كما الهواجس، ويصحح ما يمكن تصحيحه بلغة حرة لا يشوبها الخوف او التقييد بضوابط الحوار الافتراضي وقواعده البنيوية، مازجا بين النثر والشعر والرواية قصة المرأة والرجل منذ الازل حتى الان.
فلسفة افتراضية تؤكد على اهميتها من خلال حاجة الانسان في الهروب نحو ذاته المسجونة بين جدران الواقع وشاشة محادثة. تشعره كأنه الطائر المنبثق من فضاءات المعنى التي تسترسل مع كلمات المرسل والمرسل اليه. لأن" السكايبينغ" هو صورة وصفحة محادثة او صورة وصوت عبر شاشة لا تتخطى بمقاسها كف اليد او اكبر بقليل، لأنها تدخل مع الانسان كتلفزيون الواقع، فيتواصل المعشوق مع معشوقته افتراضيا دون اللجوء الى العيش معا في غرفة واحدة وسرير واحد ضمن الواقع والتعايش المادي، بل الحضور الغائب او الغائب الحاضر الذي يستمتع به الانسان في العصر الحديث. لانه يخلو من الحقوق والواجبات او يخلو من ارتباطات تأخذ وقتا طويلا من الانسان. لانها ثقيلة بمادياتها عكس الافتراضي الاثيري الذي يستطيع الانسان من خلاله مشاركة الخيال بشتى الانواع من الانطباعات والسريالية، وابسط الوداع فيها هو اغلاق شاشة المحادثة والرحيل حيث الوجود المتحكم بالكشف عن نوايا النفس البشرية من خلال السرد الذي لجأ له "عقل العويط" ليواجه افكاره المتصارعه عبر هذا الجديد القديم المسمى" تشاتينغ " او "سكايبينغ" او حتى النزق الافتراضي باندماج له خصائصه الادبية المرتبطة بتفاوت وجداني يؤكد على توظيف شعري قام به "عقل العويط" بعفوية كتابية حفظت جمالية المعنى في لغته الذوقية المتصفة بالشفاهية وعبق الافتراض.
بين هواجس الواقع والافتراض يقين بالقدر الذي يصنع المعجزات " من جهتي لم أصدق هذه القدرة الهائلة التي يملكها القدر حين يردم الهوة بين الواقع والرغبة " والامكنة ان تغيرت، فهي الانتقال من حال الى حال عبر الزمن الذي يلغي بعضه البعض وصولا الى نهاياتنا التي تترجمها افعالنا المجازية مع انفسنا، فهل في سكايبينغ لغة شعرية هي حصيلة قصيدة بدأت ولن تنتهي في نهاية كتاب يتميز بفلسفة ادبية ممزوجة بالوجود والعدم والحقيقة والخيال والواقع والافتراض الذي بات شاشة هروب يلجأ اليها انسان العصر الحديث كعنوان لامل؟ ربما من خلال هذا يترجم حالة التغيرات التي طرأت على تقنيات هذا الزمن الافتراضي وغيبياته وحضوره.
انسلاخ عن الواقع ودخول في كنه الافتراض الغامض، والاحساس بالغيرة التي لم يتنازل عنها الرجل لتكون نزعته النفسية محملة بإرث نفضه "عقل العويط" وتلاحم معه تاركا للغيرة مكانتها التي لم تتزحزح في قلب الرجل. اذ يسألها فجأة تحبين رجلا آخر، ومن حب مجنون مكتوب له البقاء في الواقع الداخلي وافتراض ينفث الافكار التحليلية بين فروقات الرجل والمرأة . اذ يسألها كالباحث عن شكوكه في ملذات امرأة عرفها او امرأة تسلل الى كيانها محاولا العبور اليها من جديد، فهل كل من ادعى التحرر هو قادر عليه تماما تاركا لشريكته حق معاشرة من تشاء من الرجال دون الاحساس بالغيرة القاتله التي دفعتها الى الهروب المستمر منه؟ ام انه الوجود المنقسم الى جنسين هما الرجل والمرأة والاختلاف بينهما الحسي والمعنوي وبتناقض افصح عنه كتاب" سكايبنغ" الذي جمع بين الحب والادب بإسلوب مشوق مستفز وان تخللته لغة عامية في بعض منه، ليمضي القارىء متسائلا عن ماهية الكتاب.