مقاربات في الوعي الشعري والعقل والثقافة طروحات محمد مبارك

Wednesday 9th of November 2016 06:40:53 PM ,

عراقيون ,

د. رسول محمَّد رسول
في خلال نصف قرن مضى، كتب المفكر العراقي محمد مبارك الكثير من الدراسات والبحوث والكتب في غير مجال من مجالات الفكر الإسلامي والثقافة العربية، فضلاً عن الفن والأدب منطلقاً من مرجعية يسارية ورؤية فكرية واقعية في قراءة إشكاليات عدة واجهت المشهد الثقافي العراقي والعربي والإسلامي.

وخلال تلك العقود أصدر مبارك كتاباً مبكِّرا من الناحية الزمنية عن الفيلسوف العراقي أبو اسحق يعقوب الكندي بعنوان <الكندي فيلسوف العقل> وصار هذا الكتاب مرجعاً مهماً لدارسي الفيلسوف الكندي في العقود الماضية، كما أنه أصدر كتابان ضما عشرات المقالات التي كتبها في الصحف والدوريات العربية، وهما <مواقف في اللغة والأدب>، و>دراسات نقدية>. ولما كان التراث العربي والإسلامي قد أخذت التنظيرات بشأنه تتضاعف في مرحلة السبعينيات وصولاً إلى مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، فإن مبارك أدلى بدلوه في شأن تلك الإشكالية وذلك في كتابه: <نظرات في التراث>، ومن ثم أتبعه بكتاب أثارَ جدلاً في المشهد الفكري العراقي، خصوصا في خطابه السوسيولوجي ذلك هو كتاب <محاولة في فهم شخصية الفرد العراقي>، وكتابه النقدي <محمد عابد الجابري بين لالاند وجان بياجيه>، فضلاً عن موسوعته الفلسفية الجديدة التي جاءت في ثلاثة أجزاء تحت عنوان رئيس هو <نشوار القراءة الفلسفية>، والى جانب أعمال مسرحية عدة صدر لمبارك كتابات في آن واحد عن دائرة الشؤون الثقافية العامة في بغداد، هما <الوعي الشعري ومسار حركة المجتمعات العربية المعاصرة>، و>مقاربات في العقل والثقافة>.

العراق الشاعر
في ضوء عنوان الكتاب الأول وفصوله ومباحثه يتضح أن مبارك يسعى إلى ربط الإبداع الشعري بالمجتمع العربي، فمسيرة الشعر العربي المعاصر كانت وعياً ومنجزاً فنياً تمثلت ملابسات البنية التحتية للتشكيلة الاجتماعية التي انتهت إليها حياة الإنسان العربي المعاصر، وهو ما بدا في النماذج الشعرية التي اعتمدها المؤلف في التدليل على تلك العلاقة. وفي دراسته بعنوان الأدب والهوية القومية درس مبارك أثر الأدب العربي على البُعدين الحضاري والروحي في الثقافة العربية. كما أنه درس العلاقة بين الفلسفة والنقد مرجعاً أصالة النقد إلى تسلُّحه بالمعرفة الفلسفية. وفي مجال الشعر أيضاً دافع عن النظرية الواقعية في التحليل النقدي لكزنها تعتمد منظوراً إنسانياً شاملا.
إن هذه المقدمات النظرية كانت قد وجدت في فصول الكتاب الأخرى تطبيقات نقدية في محاولة لفهم الظاهرة الجواهرية، نسبة إلى تجربة شاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري، التي أكدت على علاقة الانتماء المتبادل بين الشاعر والثورة في العراق. وفهم تجربة الشاعر العراقي عبد الوهّاب البياتي التاريخية التي امتدت لنحو نصف قرن بكل ما فيها من تضمين استلهامي للأسطورة في الشعر وفي أساليب السرد الدرامي ضمن ما يؤثر فيه الواقع على حركية الشعر وصيرورته الإبداعية وعلاقة ذلك بتحولات الواقع الذي هو عليه في المجتمع العربي، ومن هنا نرى المؤلف يدرسُ في أحد فصول الكتاب موضوعة (السوق) بين تجربتي بدر شاكر السيّاب وعبد الوهاب البياتي. ويبقى مبارك مع تجربة البياتي فيقف عند قصيدته (موت المتنبي)، ومن ثم عند قصيدته (وضاح اليمن والحب والموت)، وكلا القصيدتان تنتميان إلى عالم التوظيف الثوري والدرامي في الشعر. ومن ثم يقف الناقد العراقي عند تجربة الشاعر حسب الشيخ جعفر ضمن علاقة التجربة الشعرية بين تغريب الواقع والاغتراب عنه، وبالتالي القراءة في تجربة على الحلي الشعرية، ومقاربة نقدية في تجربة الشاعر، ليقف في نهاية الكتاب مع تجربة الشاعر مظفر النواب، ونظرات قرائية في تجارب أخرى منها تجربة عبد الملك نوري الإبداعية.

بغداد والأندلس
أما الكتاب الآخر (مقاربات في العقل والثقافة) ففيه ينحى المؤلف منحى التحليل الفكري والفلسفي لجملة من القضايا والإشكاليات الفكرية التي يتصدى لها المفكرون العرب المعاصرون، فتحت عنوان العقل العربي وتحديات وجودنا المعاصر ذهب مبارك إلى أن الديمقراطية هي صمام الأمان لأي مجتمع يريد أن يواصل صيرورته التطورية بشكل يخلو من المطبّات والكوارث وتوقع المفاجآت الفاجعة. وفي صدد مناقشة مبارك لمحمد عابد الجابري بشأن أطروحة الأخير عن البنية الحضارية لمدينة بغداد في العصر العباسي، قال: إن تلك البنية ليست كما يعتقد الجابري بأنها بنية مفردة قائمة بذاتها ولذاتها خارج إطاري الزمان والمكان، إنما هي مجموعة بُنى منفتحة على بعضها، تتشكل منها التركيبة البنيوية للعراق في تلك المرحلة. كما أن ثقافة تلك الحضارة اعتمدت على العقل والبرهان وليست، كما يدعي الجابري، على البيان والعرفان. ويواصل مبارك مناقشة طروحات الجابري في مفهومي العقل والعقلانية منتصراً للمدرسة البغدادية التي كرَّست المنحى العقلي قبل المدرسة المغاربية أو الأندلسية. ومن ثم انتقل مبارك إلى مناقشة ما اسماه بالكينونة الثقافية للقوميات في محاولة منه لتصحيح تلك الكينونة في ظل ما اعتورها من لبس وإشكال. وبالتالي ناقش مفهوم التشكيلة الاجتماعية لأنه يعتقد أنه من الأجدر دراسة هذا المفهوم في حال دراسة الشخصية العربية والعراقية ودراسة الصورة الوطنية لمجتمعنا العربي، بل إنه أجدى في دراسة أية ظاهرة وتقويم أية كينونة طبيعية أو اجتماعية أو ذهنية. ومن جهة أخرى انصرف المؤلف إلى دراسة النزعة العقلية في الحضارة العربية الإسلامية الوسيطة في مسعى منه لتأصيل عقلانية مدرسة بغداد الفلسفية مقارنة بالمدرسة الأندلسية.
الكتاب: الوعي الشعري ومسار حركة المجتمعات العربية المعاصرة/ دراسة.
المؤلف: محمد مبارك
يدرسُ المؤلف في أحد فصول الكتاب موضوعة (السوق) بين تجربتي بدر شاكر السيّاب وعبد الوهاب البياتي. ويبقى مبارك مع تجربة البياتي فيقف عند قصيدته (موت المتنبي)، ومن ثم عند قصيدته (وضاح اليمن والحب والموت)، وكلا القصيدتان تنتميان إلى عالم التوظيف الثوري والدرامي في الشعر.

العراق والمدرسة الأندلسية
يواصل مبارك مناقشة طروحات الجابري في مفهومي العقل والعقلانية منتصراً للمدرسة البغدادية التي كرَّست المنحى العقلي قبل المدرسة المغاربية أو الأندلسية.