فاطمة رشدي تحاول الانتحار!

Monday 8th of August 2016 07:12:52 PM ,

كان زمان ,

لندن – من محمد البيلي

وقفت فاطمة رشدي هذا الاسبوع على كوبري ووترلو تداعب ذهنها فكرة ما. وكانت الفكرة في منتهى الخطورة.. قالت لي فاطمة رشدي:
- كدت اقذف نفسي الى اعماق نهر التيمس.. ولكني تراجعت.. لا لاني اخاف الموت.. ولكنني خشيت ان اموت في بلد لا يعرف مدى ما قدمت فاطمة رشدي الى الفن في مصر..

الدولة الناكرة للجميل.. هذا علاوة على ان لي رسالة يجب ان اكافح من اجلها.. وانا ما زلت في عنفوان الشباب.. وصمتت فاطمة رشدي لحظات ثم قالت:
- ان فاطمة رشدي يائسة اليوم.. ولكنها غير محتاجة لاحد – فانا غنية والحمد لله -.. لقد رفعت الفن على اكتافي في مدى الخمسة والعشرين عاما الاخيرة، عندما لم يكن هناك فن.. ووقفت وحدي احارب احتكار الحكومة للفن واخضاعه بتسعيرة الدرجات الحكومية، والكادر الحكومي، والمرتب الحكومي.. اني ما زلت اتذكر اليوم الذي دعتني فيه الاذاعة لاقدم احدى المقطوعات الخالدة... وعندما قال لي المذيع الصغير:
- ياست فاطمة انت بتقري الدور والا بتمثلي..
وما زلت اذكر اني قذفت في وجهه بالاوراق التي امثل منها دوري وقلت له:
- ان فاطمة رشدي عرفت التمثيل قبل ان تولد.. فاذهب الى من يهمهم الامر.. وقل لهم.. اني لن امثل بعد اليوم امام الميكروفون.. ما دام هناك امثالك وامثالهم..
وصمتت فاطمة رشدي ثم قالت:
- ان تاريخ الامة.. هو جزء من تاريخ الفن الخالص الرفيع. والدول الحية في كفاح دائم مرير نحو المثل العليا. ولكن للاسف.. ان الفن في مصر يزفر انفاسه الاخيرة.. وعندما يابى الوقت الذي يكتب فيه المؤرخون تاريخ الفن في مصر سوف يصيبهم الدوار والذهول وهم يضعون بين اسماء نجوم الفن اثنين من"الفنانين"المصريين الذي يشار اليهم اليوم بالبنان، والذين يركبون سيارات الكاديلاك، ويمتلكون العمارات الفخمةن ويرتفع رصيدهم في البنوك الى الملايين ومئات الالوف عن طريق التدجيل والتهريج والاغاني الوضيعة يكفي ان نذكر هذين الاثنين ليسخر العالم من الفن في مصر.. هذين الاثنين اللذين صنع لهما شعب مصر تماثيل صغيرة من الجبس وبيعت في الطرقات.. بينما من مات من امثال الريحاني والشيخ سلامه حجازي وعزيز عبد، لم يجدوا الكفن او المال لياكلوا!!
واستطردت فاطمة رشدي تقول
- وفي الوقت الذي انكرت على فيه مصر.. كفاحي في سبيلها.. وفي الوقت الذي يحاربونني فيه.. اجد"الاغراب"يقفون الى جانبي:
يكفي ان اقول ان الحكومة الفرنسية دفعت لفرقتي عشرة الاف جنيه لكي امثل في تونس وشمال افريقيا..
يفكي ان اذكر ان الاذاعة البريطانية دفعت لي خمسة الاف جنيه لاسجل ادواري الكبيرة الخالدة في هاملت، واليزابيث، وكليوبترا.. يكفي ان اذكر ان محطة صوت امريكا دعتني للسفر الى نيويورك لتسجيل بعد الادوار والروايات التي قمت بها امام عزيز عيد ويوسف وهبي واحمد علام عندما كان المسرح المصري مسرحا.. وعندما كان الفن فنا!!
واضافت فاطمة رشدي قائلة:
- ما احوجنا الى ان نتعلم.. من العالم دروسا نافعة.. دروسا اكثر نفعا من تقليد الغرب تقليدا اعمى في الازياء والمباذل والنقاليع السخيفة.. ففي لندن مسرح.. وحرية رأي.. لقد ذهبت اول امس الى احد مسارح لندن لاشاهد مسرحية امريكية تعالج بعض المسائل الامريكية العامة التي تتعلق بحياة الشعب الامريكي.. وشاهدت عرضا مسرحيا لسياسة امريكا نحو النقطعة الرابعة، ومشروع مارشال، والرئيس ترومان..
ولم يكن هذا البرنامج تهريجا.. بل كان نقدا صريحا.. وتوجيها مفيدا.. فاين هذا من مباذل المسرح المصري ومن اغنيات من تحت تفوق، ومن فوق لتحت!.
شاهدت في لندن الشعب البريطاني يحترم ممثليه ويقدسهم ويضعهم في اعلى الدرجات.. وكانهم انصاف الهة.. اما في مصر فان الممثلة ليست سوى امرأة رفعتها الاهواء الشخصية، والاستلطاف الشخصي والفنان العظيم هو الذي يرتفع على تلويث سمعة فاطمة رشدي ويوسف وهبي وزكي طليمات قلت لها:
- ما الذي اعجبك في لندن.
قالت:
* اعجبتني"الطوابير"والنظام.. كل شيء يسير كالساعة.. وبلا ضة بل في صمت وسكون.
* واعجبني الشعب عندما يتحدث.. انه يهمس وكانه زاهد في الكلام.
* واعجبني الجو الانجليزي"المشقلب".. لانه يدل على الحيوية والنشاط والفنانة الحقيقية في رأيي هي الفنانة المجددة.. اما الفنانة الفاشلة فهي التي تسير في ادوارها وحياتها الفنية على وتيرة واحدة.
* واعجبني البوليس الانجليزي.. انه رمز للامن والاستقرار.. انه صديق الشعب.. ولذلك يركن اليه الشعب في حل مشاكله..
واخيرا اعجبني الفن الانجليزي.. لانه فن بعيد عن التزييف. وهذا هو السر في ازدهاره.. هنا في لندن عشرات المسارح.. تقدم عشرات الالوان من الفن الحديث والقديم.. ولكن للاسف الحكومة في مصر تقتل الفن، وتحيطه بستار حديدي قاس والويل لمن يحاول اختراق هذا الستار.
وصمتت اخيرا فاطمة رشدي حتى خلت انها لن تتكلم: ثم قالت:
- قل لهم في مصر اغلقوا جميع المسارح التي فيها.. فان مهزلة الفن في مصر خليقة بان تمثل على جميع مسارح العالم".

آخر ساعة /1948