عندما انعقد اول مؤتمر نسوي في تاريخ العراق الحديث..بيت نوري السعيد يشهد اول تجمع لحرية المرأة

Sunday 24th of April 2016 08:01:58 PM ,

ذاكرة عراقية ,

خيري العمري
بدأ النشاط النسوي في العراق يأخذ بعدا متقدما بشكل واضح اثر رسالة تلقتها المرحومة أسماء الزهاوي رئيسة نادي النهضة النسائية من الزعيمة النسائية نور حمادة في مايس 1929 تدعو فيها المرأة العراقية للمشاركة في المؤتمر النسائي العربي الذي سينعقد في احدى العواصم العربية ولا بأس ان ندرج هنا أهم ما جاء في الكتاب الذي أرسلته نور حمادة إلى أسماء الزهاوي وهو:

((حضرة الزعيمة الناهضة... لابد وان سمعتِ يا سيدتي بالمجمع النسائي الذي أسسناه السنة الماضية في بيروت وغايته خدمة القضية النسائية واللغة العربية في الشرق ويحق للمركز العام في بيروت ان ينشئ (فروعاً) في أي مكان في الأقطار العربية حتى في أوربا وأميركا... وقد اقترح المجمع مؤخراً فكرة عقد مؤتمر نسائي عربي يعقد بالمناوبة في الأقطار العربية سنوياً.. وكما كتبت للسيدة هدى شعراوي بانه لا فرق عندنا أينما عقد للمرة الأولى ان كان في مصر او الشام او في فلسطين او في العراق كلها بلاد واحدة لا تتجزأ في الحقيقة فعليه أرجو إبداء فكركِ بالموضوع حتى نرسل اقتراحك للأستاذ جميل بك بيهم الموجود الآن في مصر فيعرضها للزعيمة المصرية وقد تقابلت بالأمس بالآنسة ناذك خانم العابد واخذنا افكارنا بهذا الموضوع وفهمت أنها تود ان يعقد هذا المؤتمر في الشام اما العاجزة فلكوني كتبت اولاً للسيدة هدى شعراوي فلا اقدر انقض كلامي وأعين المكان فلربما أحببت أن يكون في مصر وعلى كل سنترك ذلك لحكم جميل فيتفاهم ويبلغنا هذا وفي الختام احترامي للنابغة العربي الكبير ولحضرتكِ ودمتِ
نور حمادة
رئيسة المجمع النسائي العربي)).
وقد أجابت المرحومة أسماء على هذه الرسالة بالكتاب التالي وهذا نصه:
((إلى رئيسة المجمع النسائي العربي
حضرة الزعيمة الجليلة
تحية واحتراماً:.. أما بعد فقد تلوت بعيني وفؤادي كتابك الكريم أيتها الفاضلة وحمدت لكِ تلك العاطفة النبيلة وذلك التواضع السامي وقوى في الامل ان يشق المجمع النسائي الذي تأسس في بيروت لنفسه طريقاً في ظلمات التعصب فيتقدم بقيادة رئيسته وهي أنتِ في خدمة القضية النسائية بخطوات واسعة على ضوء الثقافة العصرية الفياضة.
أما في بغداد فقد كانت الظروف ملائمة لنا في اوائل الامر فتقدمنا في خدمة القضية قليلاً ثم اصطدمنا بصخرة التعصب الذي هو عندنا ذو صلابة لا تلين حتى كادت السفينة تتحطم لولا ان تداركتها يد أمتدت لمساعدتها من رجال احرار هذا ما جعلنا نرضى اليوم بالتوفيق في مكاننا ونكتفي بمقاومة الذين يعملون بكل ما أتوه من قوة على احباط سعينا والرجوع بنا الى الوراء ولكن الامل غير ضعيف في ان تعود الظروف ملائمة فنتقدم الى الامام ثانية ولعل القوم ينتبهون الى ان الابناء لا تتم لهم الرجولة المنتظرة ما لم يتربوا في احضان امهاتاً مثقفات فيخففون من غلواء تعصبهم الذي جرحه في صدر المجتمع دام عميق. واما عقد المؤتمر النسائي في مصر لأول مرة مما يشجع بقية الاقطار العربية على النهوض لأنها مركز الحركة للمجتمع العربي كله (ولابد من مصر وان بعدت مصر) وأقبلي في الختام احتراماتي)).
- الرسالة والجواب عليها منشورتان في صدى الوطن عدد 12 –
وعلى أثر هذه الرسالة دعت اسماء الزهاوي عضوات النهضة النسائية الى الاجتماع للمداولة في موضوع المؤتمر فأنعقد اول اجتماع في دار فخامة نوري السعيد حضره الى جانب الهيئة المركزية للنادي كل من عقيلة ياسين الهاشمي وعقيلة الفريق جودة باشا العزاوي والسيدة قدرية والسيدة ربيعة والسيدة رفيعة عقيلة ناظم بك والسيدة أم صبيح الانصاري والسيدة عقيلة نوري أفندي والأنسة زهرة السيد والأنسة عائشة الداغستاني والأنسة ادوسياك ارستاكيس- الأنسة شاهبار والأنسة بهيجة بابان ومدام ديلوتي والمسز ستوت والمسز مكنزي وكان ذلك في الاسبوع الثاني من مايس 1929 وقد افتتحت اسماء الزهاوي الاجتماع بخطبة قالت فيها: ((... هذا الافتتاح... دليل على ان حركة النهضة النسائية المباركة في العراق صادقة لا يثبط عزائم القائمات بها معارضة الفئة الرجعية واكبر وسيلة للنجاح هو الاستمرار على الخطة الرشيدة وهي السير الى الامام في سبيل تثقيف الفتاة العراقية أم الشعب في المستقبل بخطوات ثابتة وان كانت بطيئة في حالها الحاضر نعم ان السير في ظلمات التعصب المخيم على ربوع الرافدين لا يسلم من عناد ولكن الصبح قريب وسنراه بعيوننا أبلج يفيض نوره في القريب العاجل على الربى والبطاح ولقد أخذت القضية النسائية في مصر وسوريا الشقيقتين للعراق دوراً مهماً كما ستفهمنَّ ذلك من كتاب جاء قبل ايام من رئيسة المجمع العربي النسائي في بيروت السيدة الزعيمة نور حمادة وأهم ما جاء في هذا الكتاب هو نبأ المؤتمر النسائي العام الذي سينعقد في احدى العواصم العربية وهناك تتداول الزعيمات في تعيين مكان انعقاده لأول مرة وقد حبذت في جوابي الى الزعيمة انعقاده في مصر... ولا أدري هل تسمح لنا الظروف بالاشتراك فيه اما بالكتابة وبإرسال عضوة تمثل فتيات العراق هذا ما اعرضه عليكنَّ للبت فيه بأكثرية الاصوات...، - صدى الوطن عدد – 12-.
وقد كشفت هذه المناسبة عن ان النادي لم يستطيع التخلص من روح اليأس وشعور التردد الذي كان البعض يمهد له بحجة ضرورة مصانعة القوة المحافظة وعدم اثارة ما يستفزها خوفاً من ان تجهز على (النادي) وتخنقه وهو في (المهد) لذلك كان من البديهي ان تكون خطوات النادي بسبب ذلك الشعور الذي طغى عليه بطيئة متأخرة بالنسبة الى خطوات النهضة النسائية في الاقطار المجاورة كمصر وتركيا وايران ولبنان لا ترضي بنات الجيل الجديد اللواتي يتطلعنَّ بحماسة وتفاؤل الى نهضة نسائية تسير بخطوات سريعة وجريئة تواكب فيها سير النهضات النسائية في الاقطار المجاورة ولا تتأخر عنها.
وقد حاولت جريدة (العراق) ان تبدد هذه الروح التي استولت على نادي النهضة النسائية وتفشت بين صفوفه فكتبت تشد من ازره وتشجعه على ان يثبت امام العاصفة وطلبت الى الحكومة ان تقف الى جانبه تعضده فقالت:..
اننا لا نوافق السيدات المصونات اركان نادي النهضة النسائية على المداراة التي يقمن بها حيال الرجعية التي تقف حجر عثرة في طريقهنَّ وهنَّ يردن انبعاث المرأة العراقية ونشرها من مدافن الاهمال والعبودية لان الطغمة الرجعية جامدة متحجرة تكره الحركة... واذا نحن استقصينا العلة في تأخرنا الاجتماعي برغم شوقنا الشديد الى الحضارة والتجديد وجدناها في الحكومة فان حكومتنا مقصرة في هذا الباب تقصيراً كبيراً فهي قاعدة عن تعضيد الحركة التجديدية ومن جملتها الحركة النسوية وهي تظهر عدم الاكتراث او الحياد في هذا الامر بينما نرى الحكومات في الاقطار الشرقية الاخرى هي التي تقوم بأعباء التجديد والحركة الاجتماعية والادبية وهذه تركيا امامنا خير مثال يحتذى..)).. العراق عدد 2765.
الا ان ذلك كله لم يصحح موقف نادي النهضة فسرعان ما تبين ان الاجتماعات التي انعقدت تارة في دار المرحومة حسيبة جعفر التي اصبحت فيما بعد امينة الصندوق وطوراً في دار المسز دارور –العراق عدد 2769- لبحث موضوع الاشتراك في المؤتمر شاهباز ومفاتحة وزارة الاوقاف في اخذ قطعة أرض لتشييد بناء يكون مقراً للنادي لم تسفر عن نتائج ايجابية فقد اكتفى النادي بارسال كلمة تليت في المؤتمر دون ان يرسل منْ يمثل النادي المذكور في ذلك الاجتماع مما ترك اثراً غير مستحسن عبر عنه سلمان الصفواني فقال: ((لقد كنا نعلق امالاًَ جساماً على نادي النهضة النسائية في بغداد بأن يخلق كتلة قوية من الشابات المتعلمات في العاصمة ويجهر بطلب الاصلاح العلمي والاجتماعي للمرأة العراقية أسوة بأخواتها في مصر وسوريا وجاراتها تركية وايران ولكن والأسف ملء الفؤاد لم نجد حتى الآن سيدة أو انسة عراقية تمثل مجتمعها كزعيمة في المؤتمرات النسوية العامة كالسيدة هدى شعراوي مصر وغيرها في الاقطار العربية والشرقية وعسى ان تبعث هذه الكلمة في نادي النهضة روح العمل والجرأة والثبات..)).. –صدى الوطن عدد 48-.
لذلك لم يطل عام 1930 حتى ارتفعت بعض الاصوات النسائية الناعمة تدعوا الى العناية بحقوق المرأة وتلمح بسفورها وضرورة افساح المجال امامها للدخول الى معترك الحياة فارتفع صوت الانسة رفيعة الخطيب يناقش فيما اذا كانت الشريعة الاسلامية تمنع السفور أمْ لا؟.
وأرتفع صوت الانسة امينة الرحال يدعو الى ضرورة استقلال المرأة استقلالاً اقتصادياً وارتفعت اصوات نسائية اخرى تنفخ في هذا البوق – راجع اعداد البلاد لشهري حزيران وتموز 1930 – مما لفت الانظار واثار الانتباه لذلك عندما انعقد المؤتمر النسائي الشرقي لاول مرة في دمشق تموز 1930 ودعي العراق الى المشاركة فيه فرشحت الحكومة وكانت يومها برئاسة فخامة نوري باشا السعيد الانستين امينة الرحال وجميلة الجبوري وكان للمرحوم ثابت عبدالنور جهد مشكور في اقناع الحكومة بضرورة مشاركة العراق في المؤتمر المذكور لانها كانت مترددة في المساهمة فيه حتى ان الوفد العراقي لم يصل الى دمشق الا بعد مضي يومين على انعقاد المؤتمر وقد ألقت الانسة أمينة الرحال وكانت يومها تلميذة في دار المعلمات لا تزال محجبة خطاباً لقي استحساناً من مختلف الصحف العربية ومما قالته: ((ان الحالة الاجتماعية للمرأة العراقية لا تختلف عن حالة اخواتها الا قليلاً.. وهي تسعى الى نفس الغاية الاجتماعية التي تسعى اليها غيرها من العربيات وهي مساعدة الرجل العربي في جهاده في سبيل التحرر.. ولست اعني بهذا ان تحمل المرأة العربية عامة والمرأة العراقية خاصة بندقية مع المجاهد العربي وتنزل الى الميدان.. بل نريدها ان تجعل كل غايتها وامانيها في ان يتحرر اخوها العربي مما هو فيه وتساعده على تحقيق ذلك.

عن كتاب (حكايات سياسية من تاريخ العراق الحديث)