زها حديد المعمارية الأولى في العصر الرقمي

Wednesday 6th of April 2016 06:36:45 PM ,

عراقيون ,

ترجمة: المدى
لا يشكل عدم وجود عمل بنائي (لزها حديد) في نيويورك موضوعاً ذا اهمية بالنسبة لاتباع مدرستها. فبامكان المرء ان يعجب بالتفاصيل المتقنة لـ»رينزو بيانو»او بالاشكال المتمردة لـ»فرانك جيهري»، ورغم كل شيء فان (زها حديد) هي المرأة الاشهر في فن العمارة. وهي النبوغ الذي نضج مبكراً بين محترفي هذه المهنة.

وسيكون المعرض الاستعادي لاعمال زها حديد (التي امضت ثلاثين عاما في العمارة) وهو الاول في الولايات المتحدة، فرصة للنيويوركيين كي يجدوا ضالتهم التي يفتقدونها ويقام المعرض في القاعة المستديرة في متحف سولومون جنجهايم. وسيغطي المراحل التي امضتها الانسة زها حديد في هذه المهنة، ابتداء من افتتانها بالمدرسة البنائية السوفيتية وصولاً الى مشاهد المدينة الحسية التي تتسم بالرشاقة المتجسدة في الاعمال التي كلفت بها مؤخراً.
ويلقي هذا المعرض الضوء على قدرتها على الربط بين العوالم المختلفة، بين الرسم المنظوري التقليدي الذي يجسد الابعاد النسبية والحجم وبين التخيلات الملساء المتولدة عن الكومبيوتر. الربط ما بين عصر البيانات المثالية وبين القيم الغامضة لعصر المعلومات.
وقد ولدت الانسة زها حديد في بغداد عام 1950، وترعرعت في الفترة التي كان فيها الشرق الاوسط مفتونا بالحداثة، وذلك ما تعكسه اشكالها الساحرة وتميزها المتنامي وايمانها بالمستقبل. وتشربت بصورة مبكرة القيم العالمية المتحررة التي تربط بين مدن مختلفة فيما بينها مثل لندن ونيويورك وموسكو وبيروت وبرلين. وكبرت في واحد من اوائل بيوتات بغداد التي استلهمت معمارية مدرسة الباوهاوس وفي نهاية الخمسينيات من القرن العشرين راقبت تشييد وزارة التخطيط التي صممها جيوبونتي والتي كانت نسخة طبق الاصل عن عمله برج(Pirelli) في ميلان، وهي نموذج للاسلوب الايطالي في فترة ما بعد الحرب.
وقد وثبت زها حديد الى سويسرا ولبنان قبل ان تستقر في منتصف السبعينيات في لندن حيث بدأت كطالبة في الجمعية المعمارية وبعدها في مركز التجريب، وهناك التقت برم كولهاس وايليا زينغلس وبرنارد تشومي وهم المعماريون الذين قفزوا الى مركز الصدارة في العمارة الاوربية التجريبية في العقود اللاحقة.
ومتشكلين بروحية الاحتجاجات الطلابية في عام 1968، فان هؤلاء المعماريين قد التمسوا طريقاً لتمييز انفسهم عن اسلافهم القريبين دون ان يقطعوا روابطهم مع الحداثة. وقد وجد الكثير منهم الهامه في الاشكال المثالية الحالمة»للبنائين»السوفيت وهو انجذاب كان له الكثير من المردودات الرومانسية التي سحقت في مراحلها الاولى من قبل ستالين.
ويعيدنا المعرض مجدداً الى ذلك الوقت مع اعادة تقييم رسوم عام 1976 التي تضمنتها اطروحة الانسة زها حديد (وقد تأخر متحف سان فرانسيسكو في اعادة الرسوم الاصلية للمعرض الحالي). ومستلهمة واحداً من اعمال كونستانتين ميلفتش والتي تقترح مدينة من عدة اقسام تطفو في الفضاء.
استخدمت الانسة حديد مفردات مشابهة لاقتراح انشاء جسر مأهول يتكون من (14) طابقاً على نهر التايمس، وهذا يشير الى الموضوع الذي ظل يتملكها طوال فترة عملها الا وهو الفكرة الخالية من البلاغة الثورية لتكوين مجتمع دائم الازدهار.
ولعل المرء، قبل فترة طويلة، كان بالضد من المشروع الذي دل على عبقريتها التي اوصلتها للنجومية بدايات عمرها. في عام 1983 كان هناك تصميم للقمة، ناد في هونغ كونغ وتظهر بصورة اوضح على نحو مناسب سلسلة من الرسوم تصور مجاميع من الاشكال المتشظية الافقية مندفعة من حافة جبل كما لو انها ستقذف في الفضاء.
وبالنسبة لاولئك الذين شاهدوا هذه الرسوم في الكتب فقط فانهم سيصعقون لشدة التدقيق في التفاصيل الصغيرة. ولخلق رسم منظوري لمشهد يتم النظر اليه من ارتفاع عال فان الانسة حديد تقوم برسم مئات التخطيطات لبنايات مجردة بالحبر. وبعد ذلك تقوم بنقلها الى ورق يتعاظم على القماشة. وكل واحد من السطوح يتم تلوينه بلون مختلف. واي رجل خبير بالمخطوطات سيدرك كم من السنين انفقت للوصول الى هكذا ممارسة وتكرار في تخطيطات بهذه الدقة والرسم بالحبر لوحده، وكذلك ثبات اليد يتطلبان كل على حدة مدة طويلة من التدريب. وهذه المهارات قد اختفت عمليا في عصر الكومبيوتر. وهذا جزء من كثير يجعل اعمال الانسة زها حديد تتميز عن التخيلات التركيبية التي تتمخض عن استخدام الحاسوب في ثقافة اصبحت مهووسة بالسطوح. ومشروع»القمة»يعكس كيف ان الانسة حديد نضجت خلال سنوات محدودة.
ولقد كانت اشكال ميلفتش تحوم في الفضاء وقد زودتها الانسة حديد بالطاقة. وهذا يعني أن هذه الاشكال قد اصبحت موجودة في العالم الحقيقي. ومع كل توجهها فان القمم المبعثرة والهياكل المرفوعة بالحبال الفولاذية قد تم تأسيسها وفق المبادئ الهندسية الاساسية. وهذا شائع في الطرق السريعة.
وعلى سبيل المثال فانها كانت في غاية الذكاء عندما قامت بربطها مع البنى التحتية للمدينة. وبصورة مشابهة لبيئتها الاولى فقد استخدمت الانسة زها ببراعة الاحرف الكبيرة منذ تنظيم القاعة المستديرة في متحف غاغنهايم وذلك للاشراف على تركيب اعمالها. وعلى العكس من الافتراضات الشائعة فان المعبر المائل لفرانك لويد رايت لم تكن تمثل خبرة مصقولة وعندما يقوم المرء بالدوران عند كل مستوى فان الايقاع تتم مقاطعته بصورة مستمرة مما يستوجب الوقوف. وللخروج بفائدة من نموذج الحركة ذلك، فان الانسة حديد تتباطأ ثم تسرع الخطى. والتباعد في الرسوم في المستوى المنخفض يوصل الى عنق الزجاجة المزعج في النماذج المعمارية، وفي نفس الوقت فان لوحة الاعلانات المتموجة تنتشر عبر فراغ المعبر المائل مغيرة درجة الحركة ويتعزز مشهد العمارة التي يقع على امتداد المدينة حولها ما ان تبدأ. والكثير من رسوم الانسة حديد للعمارات التي قامت بتصميمها تبدو وكأنها ثانوية فاشكالها تبدأ في التلاشي في المحيط الواسع الذي يتشكل مع انحناء الكرة الارضية. وقد تم رسم هذه المشاهد عبر سلسلة من التغييرات في المنظور. وعندما تنزلق عين المشاهد عبر السطح فانه يلاحظ ان العمل الفني نفسه ينزلق او يتقلب.
وفي عملها»العالم 89 درجة»فان العديد من تصاميمها المبكرة قد جمعت في صورة واحدة. مدينة في فترات الانحطاط تجري في ما يمكن ان يكون كل بناية منها تدرك على انها شظية من مشهد مدني كبير. وهذه الاعمال تنبوئية بدرجة ملحوظة. فشبكة الاتصالات التي تتعامل معها الان كشيء ممنوح فانها التطور الثوري لعصر الالكترونيات.
وفيما بعد فان تسوية الارض التي كانت تهندسها لاقامة البنايات عليها اصبحت بنفس اهمية البنايات الكائنة وسط هذه الارض من حيث اهميتها التركيبية. وعلى سبيل المثال فان الميديا بارك الاملس الانسيابي في مدينة دوسلدورف في المانيا الذي صمم عام 1993 كان يمثل نموذجا مفتوحا على نهاية واحدة مثل قطعة نهر جليدي.
لقد جعلت من الارض عند تمهيدها لانشاء دار اوبرا كارديف باي ذات تعرجات وتغييرات وشقوق وكذلك الحال عند انشاء دار اوبرا جوانغ زهاء في الصين. اما مركز فاينو ساسين في دولفسبيرج في المانيا فقد تم رفعه على دعامات مما سيسمح للسيارات والسابلة ان ينسابوا من تحته.
ولا تجد الانسة حديد اية متعة في الانماط العصرية المتنافسة او الحديثة او أي شيء آخر. فكل البنايات التي تقوم بتصميمها تتجذر بصورة واضحة ضمن سياقاتها المحيطة بها.
فهذه البنايات تاخذ الماعاتها من وجهات الطرق والجسور وطرق المرور السريعة التي تغطي الموقع. ان هذه الاعمال تسعى لجذب شوارع ناشطة تحيطها مع تطويق الحواجز والعوائق.
وتريك هذه الاعمال كيف ان امريكا ولعقود قد استكملت لمدنها او على الاقل لمشاريع اعمال عامة واسعة تربط بينها.
اما التغيير الاوروبي نحو رؤيا حديثة للمدن لم يكن ذا اثر بالغ فمع الثمانينيات المنصرمة فان السمة الجريئة الحضرية للتخطيط في مستهل فترة الحداثة الاوروبية كانت مزدهرة وكانت رؤى الانسة حديد ثمرة لذلك المنظور. فلا يمكن فهم البنايات الا بكونها جزءاً من نموذج حضري متواصل.
وفيما كانت مغطاة باصباغ صور مشاريعها الحالية ومع لوحة الاعلانات المتموجة فقد اصبح من الواضح ان الانسة زها حديد نالت ما تستحقه من نبوغها الا في نيويورك بالطبع المشاريع تمتد على طولها متراكمة واحدة فوق الاخرى كما لو كانت صور اعلانية ورغم ان لهذه الصور تأثيراً بصرياً حاداً إلا انها تفتقر لحيوية الرسوم الاولى اضافة لخلوها من المعلومات على الصعيدين المفاهيمي او العملي التي يمكن فهمها من النماذج.
وفي الوقت الذي تصل فيه الى المستويات الاعلى للقاعة المستديرة، فانك ستجد ان اشكال المعمارية زها حديد تنساب مثل الزئبق. فالسقف المتقوس للتصميم الخاص بالمسبح الاولمبي في لندن يتكون من سلسلة من الاقواس المتكافئة.
وكذلك الشكل الابيض الاملس للنموذج الاصلي للمطبخ فانه يتم ببصمة مبدأ اللذة (مبدأ يؤمن بعدم وجود خير في الحياة سوى اللذة) وهو ينحدر من الشهوانية الحديثة التي عززها عدة معماريين منهم بونتي وكارلو مولينو واوسكار فايمير قبل نصف قرن ولكنها اوصلته للحد الذي لم يكن احد منهم يتصوره. وهنا يكمن سحرها المعماري في الدمج. وفي كل اشكالها الواضحة التطرف فان الانسة زها حديد شكلت رابطاً بين الحداثة في بواكيرها وصولا الى العصر الرقمي، بجمعها كل هذه الشواطئ في رؤيا واحدة.
لقد اعتنقت وبجرأة مبدأ العالمية المتمرد الذي اصبح من الصعوبة ان يفرض نفسه في عصرنا المظلم هذا.

عن/ صحيفة النيويورك تايمز