العيد في الماضي..من طرائف تراث ميخائيل عواد

Wednesday 7th of October 2015 06:20:52 PM ,

عراقيون ,

سمي العيد عيداً لانه يعود على الناس في كل سنة والاعياد الاسلامية عيدان عيد الفطر وعيد الاضحى فعيد الفطر يحتفل به المسلمون بعد انتهاء صوم رمضان وعيد الاضحى يبدأ في اليوم العاشر من ذي الحجة يوم يؤدي الناس فيه فريضة الحج على جبل عرفات في مكة وفي هذا اليوم تنحر الذبائح قرباناً لسيدنا اسماعيل (عليه السلام )

هذا ما حدث في صدر الإسلام في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) واصبح العيدان رمزا دينيا يحتفل به المسلمون وخاصة في العراق والشام ومصر وله جانب كبير من الروعة والأبهة يتباهون بأعيادهم المسلمون به كغيرهم من الديانات الاخرى التي سبقتهم واحتفاءً بالعيد تبذل الاموال وتوزع الهدايا والصدقات على الفقراء وتطلق الهبات على الايتام. ومن عجائب المسلمين الاربعة العيد في الشام وخاصة في حلب ورمضان في مكة ويوم الجمعة في بغداد ومشاهدة عرض الخيل زمن (احمد بن طولون) لروعة المنظر في مصر وهكذا تمر الايام والسنون ليصبح العيدان في زمن الدولة العباسية في اوج عظمتهما في دار الخلافة العباسية في بغداد وليظهرا أبهى زينة واكمل عدة بعد أن تفرش الفروش الجميلة وتدوّي الطبول وترتفع انغام الموسيقى ويتم ترتيب مراسيم الحجاب والحواشي على مختلف طبقاتهم واصنافهم أمام أبواب الخلافة ودهاليزها وممراتها وصحونها وساحتها ومجالسها ويقف الجند على اختلاف مراتبهم صفين بالثياب الزاهية والى جانبهم الخيالة على خيولهم المرتبة مراكبها بالذهب والفضة وقد احضروا العدد والاسلحة وكان من عادة الدولة أن تخصص ميزانية للاختفال بهذين العيدين وكان الامير مازوك امير المعتضد يخرج فجر يوم عيد الاضحى يقود موكباً عظيماً وبين يديه اكثر من خمسمائة رجل من حاملي الشموع واصحاب مشاعل النفط وهم عدد اكثر واصحاب الاعلام والطبول في جمع لا يعد. ومن واجب الوزير ان يغلس اي يخرج في آخر ظلمة الليل في الذهاب الى المصلى في يوم العيد ليكون بين يدي الخليفة لأداء الصلاة ويعود بعدها مع موكب الخليفة والوزراء الى دار الخلافة وتظهر دجلة بمنظر على غير عادتها بحلة جديدة وعرس جميل وهي تزهو بضروب من انواع السفن والمراكب وهي محملة بسلاطين العباسيين وحاشياتهم تروح وتجئ بهم امام انظار المهنئين بيوم العيد على ضفاف النهر وكانت المركب له أسماء مختلفة الطيارات والشبارات والزلالات والسميريات وكان المغني المشهور .. له مكان خاص في مركب الطيار يغني على امواج دجلة ويبلغ صدى صوته .. لم يبق أحد من الحاضرين إلا وطرب وغنى معه وكان غناؤه يسر جماله كل قلب ويسلب كل لب وإذا ادار صوته الناحية الاخرى سمعته الظباء وسخت اعجابا بصوته. وقد كان الشعراء يحضرون مجالس الخلفاء ليلقون بقصائدهم الا المتنبي الذي هرب ليلة عيد الاضحى من كافور الاخشيدي حاكم مصر انذاك وكتب قصيدة يهجوه بها حيث يقول عيد بأي حال عدت ياعيد. وتدور الايام والزمان ويذهب ويأتي حاكم ويذهب سلطان ويبقى العيد رمزاً خالداً في القلوب عامراً بالحب والايمان يهنئ بعضهم البعض بالمصافحة والتقبيل ويتسامحون فيه عن كل الضغائن والاحقاد وهو يوم المصالحة بين الاخوان والاحبة والعيد في القرى والارياف له طابع خاص وله مسميات ومن أسماء الايام التي تسبق العيد (يوم الوسخ) وفيه تبدأ التحضيرات بالنظافة وترتيب المنزل وفرشه بالافرشة الزاهية لاستقبال المهنئين بالعيد واليوم الذي يسبق العيد يسمى (الحللس) والذي ترتب الناس فيه ملابسهم واعداد ملابس جديدة للاطفال وترسل الى الخياط قبل مدة وتكون حاضرة في هذا اليوم وكي الملابس على (أوتي) الفحم في السوق وفي ليلة العيد يسهر الخياطون الى الصباح والحلاقون يبقون ساعات متأخرة في الليل ويقوم صاحب البيت باعداد ميزانية خاصة قبل العيد يشتري فيها الحلوى من اصابع العروس كما يسمى والجكليت والحلقوم ومن واجب الامهات شراء الحناء والمطيبات واعداد كليجة العيد التي تشوى في تنور الطين وتقدم مع الشاي او العصير وكان العطر المفضل للرجال انذاك عطر (سوادي) المستورد من السودان وفي صباح يوم العيد الأول يذهب الناس الى المصلى لاقامة صلاة العيد وبعد عودتهم من المسجد يذهب الكثيرون منهم لمعايدة شيخ العشيرة في المضيف وتطق الهوسات والاهازيج الشعبية بمناسبة العيد وتطلق العيارات النارية تعبيرا عن فرحهم ويذهب البعض لمعايدة بيت الجد والجدة والذين معهم من الاعمام والاقارب وعادة ما يتواجدون في الديوانية الذي تجتمع فيها شمل الاقارب بعدها يتم تناول وجبة الغداء والضيافة والمعدة ترتيبها في كل عيد. ويخرج الاطفال فرحين بثيابهم المزركشة الى ساحات المراجيح ودواليب الهوى ومعهم خرجية العيد والتي يطلق عليها (العيدية). وتذهب ام البيت مع زوجها لمعايدة الجيران وهذا ما يعزز توطيد العلاقات الاجتماعية ونبذ الزعل والحقد والرقي الى علاقات الاخوة والتراحم بين الجيران ويقوم البعض بنحر الاضاحي وتوزيعها على الجيران والفقراء والمحتاجين ثوابا لموتاهم هذا ما يجري في اليوم الاول وفي اليوم الثاني من العيد يذهب الناس لزيارة الاضرحة وعودة موتاهم ومنهم من يقوم بالذهاب الى اقرب مرقد تقام هناك فعاليات العيد من عروض الخيل ودبكة (الجوبي) والاغاني الفلكلورية والشعبية واطلاق العيارات النارية. وفي يوم العيد تتم حفلات الخطوبة والزواج لقرب شهر عاشوراء وصفر والذي يكرم الزواج في هذين النهرين. وبمناسبة العيد تقوم النساء بوضع الحناء في ايديهن واما الحديثات لاول مرة يتكحلن بالكحل الحجري في فرحة العيد وهن للتو بلغن سن الرشد واما الشباب يجربون شرب السكائر (المزبن) ليتباهوا امام اقرانهم بانهم أنهوا مرحلة الاطفال ودخلوا الى محطة الرجال هذا في الاعتبار الريفي السائد انذاك والعيد في الاهوار له ميزة خاصة حيث تدور الزوارق والمراكب بين مساحات المياه بين البردي والقصب وهم ينشدون اغاني العيد التراثية والفلكلورية واما المناطق الاخرى كالمدن مثل بغداد يتميز العيد بطابع خاص له تقاليده وتراثه الثقافي حيث الناس يذهبون الى دواليب الهوى والمراجيح والمتنزهات واشعال الالعاب النارية في الساحات العامة وخاصة في الليل وعروض العربات تجرها الخيل وهي محملة بالاطفال والركوب في سفن دجلة في شاطئ الاعظمية وكانت المربعات البغدادية مشهورة بالمربعات الفلكلورية والاغاني الشعبية وزيارة مقام خضر الياس على نهر دجلة وزيارة المقابر امثال مقبرة الغزالي والشيخ عمر السهروردي واضرحة الائمة وكل عام وانتم بخير وايامكم سعيدة هذا ما تعودناه ان نسمعه في ايام العيد وعسى ان تكون ايامنا كلها اعياداً.
عن كتاب
( صور مشرقة من حضارة بغداد) لميخائيل عواد