صنع الله إبراهيم: الثورة فكر مُستمر لا يُقيّم بالنتائج

Tuesday 11th of August 2015 06:59:49 PM ,

منارات ,

محمد عبد الرحيم
أقام المركز الفرنسي في القاهرة في ما يُشبه الندوة الاحتفالية، بمناسبة صدور الترجمة الفرنسية لرواية «الجليد"للروائي صنع الله إبراهيم، التي صدرت طبعتها العربية الأولى في عام 2010 عن دار الثقافة الجديدة في القاهرة.


والندوة عبارة عن حوار ما بين المؤلف ومترجم معظم أعماله الفرنسي ريشار جاكمون. هذا الحوار الذي امتد ليشمل كلا من العملين الأخيرين لإبراهيم.. الجليد، وبرلين 69، الصادرة في 2014 عن دار النشر نفسها. ذلك لما لهما من ملامح مُتقاربة، إضافة إلى أنهما آخر ما نشره صنع الله إبراهيم حتى الآن.
بدأت الندوة بقراءة جزء من الفصل الأول لرواية الجليد، قام بالقراءة بالعربية إيهاب الملاح وقرأ الجزء نفسه بالفرنسية سلام يسري، إضافة إلى مقتطفات من رواية «برلين 69» تمت قراءتها بالعربية.
ما بين الأمل والنتيجة

)لم يكن الاختيار صعباً بسبب محدودية المعروضات. فوقفت في طابور الشراء أتأمل صورة بريجنيف المعلقة على الجدار. اختفت إحدى البائعات اللاتي يرتدين معاطف بيضاء. وانهمكت أخرى فى حديث طويل مع ثالثة. أخذت إيصالاً بما أريده، ثم انتقلت إلى طابور آخر للدفع وحسبت البائعة ثمن مشترياتي على الحاسبة الخشبية: 031 كبيكا بيض، 03 كيفير «لبن رائب» 463 فودكا و08 خبزاً. دفعت وأخذت إيصالاً بالمبلغ ثم انتقلت إلى طابور ثالث لأستلم مشترياتي.)
أردت أن أنتقي الخبز بيدي المجردة، فنهرتني العاملة في عنف واستخدمت شوكة معدنية في التقاط الخبز. غادرت الحانوت ووقفت أتفرج على شرطي دفع رجلاً إلى الحائط وأخذ يضربه بوحشية بالغة ثم ألقى به في سيارة الشرطة». ربما هذا المقطع من «الجليد"في فصلها الأول، هو ما أشار إليه صنع الله إبراهيم خلال المناقشة.
تجربة صنع الله إبراهيم

بدأ جاكمون حديثه بالإشارة إلى عالم صنع الله إبراهيم الروائي، هذا العالم الذي لم يقتصر على المجتمع المصري، لكنه يكشفه من خلال مجتمعات أخرى، فمن بين 13 رواية كتبها إبراهيم، تدور 6 روايات منها خارج مصر.. لبنان، عُمان، الولايات المتحدة، فرنسا، الاتحاد السوفييتي، ألمانيا الشرقية.
هذه الأعمال ترتبط بتجربة صنع الله الشخصية، فهو يكتب ما يعرفه وما عاشه فعلياً، لذا تأتي هذه الكتابة مختلفة عن الكثير من أعمال أخرى.
لماذا الآن؟

السؤال الأول الذي وجهه جاكمون لصنع الله إبراهيم هو التوقيت الزمني والفارق ما بين معايشة التجربة والكتابة عنها، فـ»الجليد"تتحدث عن موسكو عام 1973، وتمت كتابتها عام 2010، كذلك «برلين 69»، صدرت عام 2014. فلماذا الآن، ولماذا الصمت طوال تلك الفترة؟
أشار صنع الله إبراهيم إلى أن هذا من قبيل الأسئلة صعبة الإجابة.. ربما المزاج النفسي، أو الظروف السياسية، والكثير من العوامل كالمناخ العام، وحالة الكآبة أو السعادة التي يحياها الناس، ذلك من خلال ملاحظاتي ــ يقول إبراهيم ــ وأسئلتي حول ما يحدث. من ناحية أخرى هناك إحساسي بما أشاهده، ربما موقف ما أريد الاحتفاظ به او استعادته، ولا يكون ذلك إلا بالكتابة، لكن في البداية لا أقوم بأرشفة ما يحدث بهدف استغلاله في مشروع روائي أو بهدف صياغته في عمل فني. فالتجربة الروائية عموماً يتحكم بها العديد من العوامل التي لا أستطيع التحكم بها.
موسكو وبرلين

ويُشير إبراهيم إلى أن الروايتين تطرحان سؤالاً حول محاولة تمت في منطقة ما من العالم، حاولت تحقيق أفكار معينة، خاصة بوضع البشرية.. الاشتراكية والمساواة، وهي محاولة فشلت كما يبدو. وبالإحالة إلى ما حدث في مصر، فالثورة بالفعل مستمرة، ولا تدخل النتائج في المفهوم الفكري للثورة، فهي كتقييم اجتماعي فشلت، لكنها ليست نهاية العالم، فالفكر الثوري يؤدي لإمكانية محاولة جديدة وهكذا.. فهناك حالة ترابط بين هذه المجتمعات التي كانت مسرحاً في يوم ما لأفكار فشلت، لكنها لم تنتهِ.
تنوع الأسلوب ومعياره

طرح جاكمون سؤالاً آخر حول أسلوب الكتابة لدى صنع الله إبراهيم، الذي اختلف في رواية «برلين 69»، خاصة أن إبراهيم تنوعت أساليب السرد لديه، فمن السارد بضمير الأنا، كما في رواية «الجليد»، إلى السارد من الخارج في «برلين 69»، من ناحية أخرى أضاف إبراهيم أسلوب السخرية الواضح في روايته الأخيرة، عن الأسلوب التقريري في «الجليد»، فما الذي يُحدد الأسلوب السردي ووجهة النظر السردية؟
يرى صنع الله إبراهيم أن كل موضوع يفرض أسلوبه، فالشكل والتقنيات السردية يخضعان للفكرة وموضوعها، وهي مسألة في غاية الصعوبة. ويضرب إبراهيم مثلاً برواية «التلصص"التي بدأ التفكير والكتابة منذ 40 سنة، حتى انتهى منها، والسبب هو معرفة مبررات سلوك وأفعال الأب، التي لولا الوصول إلى سنه، لم يكن سيعرف إجابات لهذه الأفعال. ومن خلال الطفل الذي يحكي، إضافة إلى تفضيل الكاتب مُعايشة التجربة من جديد، جاءت الرواية في صيغة المضارع، كإعادة للتعايش أو عيش هذه الحياة مرّة أخرى.
التوثيق والذاتية

وأخيراً لمح يشار جاكمون إلى الفارق بين أعمال صنع الله إبراهيم السابقة، وبين عمليه الآخيرين، من حيث خفوت الهَم العام، وتضخم الهم الذاتي، وهو ما يستدعى مناقشة حالة التوثيق التي يتميز بها أدب صنع الله إبراهيم.
يرى إبراهيم أن التوثيق لا يحدث في المطلق، بل يحدث بشكل عضوي في الرواية، وهو ما يطلق عليه الكاتب «التضمين». وأشار إبراهيم إلى أنه لم يكن الأول أو الوحيد في هذا التكنيك، وإن كان بدرجة مختلفة، كما في رواية «الضحك» لغالب هلسا، حيث كان صوت راديو القاهرة ضمن النص الروائي، كذلك في تجربة «وحيدة» لصلاح عيسى، الذي أضاف صوراً فوتوغرافية في الغالب لا علاقة لها بالنص الروائي! وفي الغرب ضرب إبراهيم المثل برواية USA لدوس باسوس. فالأهمية ترجع إلى الدلالة أو الحالة التي تخلقها العلاقة بين هذه الأشكال من النصوص. أما ما كان همّاً جمعياً وأصبح ذاتياً، فأوضح صنع الله إبراهيم أن اكتشاف الآخر من خلال التجربة الذاتية هو أحد الهموم الأساسية، التي لها من الأهمية في كشف علاقات وتجارب توحي أكثر مما تفصح.
صنع الله إبراهيم الروائي المـشاكس وصانع الأزمات
الكاتب المصري يتميّز بغزارة الإنتاج وتنوّع كتاباته التي تجمع بين السّير الذاتية والتوثيق التاريخي والنقد الاجتماعي لظواهر وأنظمة خاصة النظام الرأسمالي.
العرب ممدوح فراج النابي [نُشر في 19/04/2015، العدد: 9892، ص (8)
صنع الله إبراهيم كاتب طارده اسمه وخالطته أدواته الخيالية الجديدة
في الملتقى الثاني للرِّواية الذي عُقد في القاهرة عام 2003 برئاسة جابر عصفور رئيس المجلس الأعلى للثقافة آنذاك وبرعاية وزير الثقافة فاروق حسني اجتمعتِ اللّجنة المكوّنة من سيزا قاسم وفريال غزول وعبد الله الغذّامي ومحمد برّادة وفيصل دراّج ومحمد شاهين ومحمود أمين العالم، وبرئاسة الروائي السُّوداني الطيب صالح. قرّرت اللّجنة منح جائزة الملتقى للدورة الثانية (بعد أن مُنحت جائزة الدورة الأولى لعبدالرحمن منيف) للكاتب المصري صنع الله إبراهيم، على عكس ما كانت تروِّج الصّحافة الأدبيّة والثقافيّة بأنّ الجائزة ستذهب لواحدٍ مِن ثلاثة أسماء هي: إدوار الخراط، أو خيري شلبي من مصر، أو إبراهيم الكوني من ليبيا.

القدس العربي/ 2014