خليل شوقي وأيام بغداد الجميلة

Wednesday 15th of April 2015 05:30:30 PM ,

عراقيون ,

د. عباس العلي
لم يتسن للمشاهد العراقي أن ينسى "الذئب وعيون المدينة" ولا يمكنه مع مرور أكثر من ثلاثة عقود مرت أن ينسى عبد القادر بيك, بغداد في ظل التحول الأكبر بين عصرين, بغداد التي انتقلت ومعها قدوري إلى عالمها الجديد بمظهر جديد وشخصية جيدة وإن كانت متسترة أو مزيفة وتركت "غفوري ورحومي" في خانات بالية هي بقايا العهد القديم.


كان الفنان القدير شيخ وعميد الفنانين العراقيين الجميل في كل شيء، خليل شوقي نقطة التألق في هذا العمل الدرامي الضخم الذي لم تنتج الدراما العراقية عملا أصيلا شد المشاهد العراقي له كما فعل الذئب وعيون المدينة.
الشخصية الدرامية الناجحة لا يمكن أن ترسم ملامح تألقها بدون أن تكون هي بذاتها قادرة على التحسس والتفاعل معها بكل جدية وصدق وإيمان برسالة الفن.
خليل شوقي المبدع أقنع الكثيرين أنه هو فعلا "عبد القادر بيك" ومرة التقيته في بغداد في بداية التسعينات لم يخطر ببالي وأنا المتابع والواعي أن أكون إلا بحضرة السيد عبد القادر بيك لكنني اكتشفت شيئا غريبا عن قدوري الحقيقي أنه كان يمتلك ابتسامة ساحرة وضحكة عريضة لم أشاهدها من قبل في كل حلقات المسلسل, هذا التجسيد المشخصن لا يمكن أن يتوافر عليه كل من مارس التمثيل إلا أن يكون فعلا ممتلكا الحس الإبداعي في أعلى الدرجات وفي أرقى صور التفاعل الحي.
الفنان الشيخ المبدع خليل شوقي وهو يعبر التسعين من عمره المديد سجل طوال حياته الفنية العديد من البصمات الفنية التي لا يمكن أن ينساه الفن وجمهوره وناقدوه على أن ثلة من المبدعين رسموا صورة الإخلاص لفنهم دون أن يفرطوا بالرسالة تجاه المغريات أو الخضوع لقوانين السوق المتهافت, كانوا أكاديميين ومحترفين وببراءة الإبداع الفطري انجزوا لهم قامات فنية عصية على التقليد أو التكرار مرة أخرى, أخص منهم، إضافة له الفنان يوسف العاني, سامي عبد الحميد, قاسم محمد, وإبراهيم جلال وبدري حسون فريد وأخيرا طه سالم, هذه الطليعة التي وحدها لها احتكار جمال الإبداع العراقي وتأسيس قيمه الوطنية، إضافة للفنية.
لقد قدّم خليل شوقي في مجمل أعماله، كاتبا ومخرجا وممثلا، نموذجا صادقا وأمينا وكاشفا للشخصية العراقية بكل ما تنطوي عليه من قيم وأبعاد نفسية وسلوكية داخلية بما تتوافر عليه من أسباب ومعطيات وركائز من قوة وضعف في ظل ما تعرضت له من خيبات وانفعالات من بيئة تتعرض يوميا لهزات اجتماعية واقتصادية وتحولات سياسية ودينية، إضافة لما تعانيه من متاعب الحياة بالكثير من التفصيلات التي جسدها فنيا وبصدق وبتلقائية قريبة من روح المشاهد وأجوائه الطبيعية.
فهو كفنان وإنسان امتلك ناصية الإبداع وأتقن من ممارسة أدواته الاحترافية شغوفاً بتفاصيل الحياة الشعبية وتنوعاتها وطرح النماذج الأصيلة الصادقة التي تكشف زيف واقعنا ليضعنا في الصورة الجميلة، حريصا علي أداء مهمته الاجتماعية من خلال الفن، بحرص واضح علي الكمال تجاوز بعض ثغرات ضعف البناء الدرامي أحيانا وأحيانا اخرى ضعف التقنيات أو الجهد الفني، لقد ظلتا في كل أعماله رصينة جادة يمكن لنا أن نشاهد جزءا منها لنعرف أننا أمام خليل شوقي الفنان البغدادي الأصيل ونأي بنفسه عن الانزلاق في شرك الأعمال التجارية في زمن الحصار الجائر الذي تعرض له العراق، وقد اثر الانسحاب من الساحة واختار حياة المنفي القسري في هولندة، تاركا بصمات إبداعه علي ما خلّفه من ارث درامي، ليظل اسما متألقا في ذاكرة الثقافة العراقية.