حرم طه حسين باشا تتحدث الى اخر ساعة في باريس

Monday 23rd of March 2015 05:37:27 PM ,

كان زمان ,

باريس – من ايزيس فهمي
تعيش قرينة طه حسين باشا حياة مليئة بالانفعالات المتواصلة.. وعندما ذهبت الى فندق رفائيل لمقابلتها دهشت لبساطتها.. ان الشهرة التي اصابها زوجها اللامع لم تفقدها حب الحياة البسيطة.. ولكنها في الوقت نفسه حياة متنوعة ،سألت مدام طه:
- ما هي الانفعالات التي صادفتك في حياتك؟

وأجابتني:
- لقد كانت حياتي سلسلة من الانفعالات المتواصلة منذ بدء زواجي حتى الآن..
- ان زوجك رجل نادر..
- نعم اعتقد ان زوجي رجل مدهش.. وهنا اخذت تحدثني عن الانفعالات الاولى في حياتها.
الخجل..
كان زوجها يمثل مصر في مؤتمر التاريخ، الذي عقد في بروكسل عام 1923 وكانا صغيري السن ولم يكن لزوجها سكرتير وكانا فوق ذلك خجولين..
وجاء دور طه حسين في الخطابة.. وكان قد اعد خطبته كتابة.. فرفض ان يخطب واكتفى بتقديمها،لأن الخجل تغلب عليه. وعندما قيل له: انه لا يمكن قبول الخطبة دون ان تقرأ، اصر على الرفض، وحينئذ لم تر عقيلته بداً من انقاذ الموقف، فاخذت منه الخطبة وتلتها.. وكان التأثر قد بلغ منها ذروته، ولكن جميع المندوبين اظهروا نحوها منتهى الرقة والعطف.. واقيمت حفلة خاصة لاعضاء المؤتمر في قصر بروكسل لم يدع اليها سوى الرجال.. ولكن القاعدة خولفت بالنسبة لشخص واحد فقط.. فسمحوا لقرينة طه حسين بمرافقة زوجها.. وكان تأثرها عظيماً..
وفي هذا الوقت تعود ملكة بلجيكا من مصر فتروي لقرينة طه حسين مشاهداتها الجميلة، وذكرياتها عن مصر.. وكان جميع اعضاء العائلة المالكة يستقبلون ضيوفهم برقة وعطف ويجالسونهم على الموائد المختلفة..
مؤتمرات.. مؤتمرات
وتبدأ بعد ذلك سلسلة من المؤتمرات في حياة زوجها.. حوالي 40 مؤتمراً. كما كان دائما ممثلا لمصر لدى اليونسكو.. وهنالك مفاجأة كبرى نذكرها جيداً، وهي عندما اختير زوجها وزيرا في الوزارة الحالية.. فقد كان الملك يزمع وضع الحجر الاساس في بناء جامعة الاسكندرية، وكان على الوزير ان يلقي خطبة بين يدي جلالته.. فتأهب للسفر وعندما وصل الى المحطة مع زوجته فوجئ بمئات من الطلبة ينتظرونه في المحطة، وما ان رأوه حتى صاحوا هاتفين له واقتحموا صالونه، ولم ير البوليس بداً من الانسحاب لانه لا يستطيع ان يفعل شيئاً..
وصاح احد الطلبة، يجب ان اقبله.. وفزعت الزوجة الوفية واخذت تبكي ورجت الطلبة ان يدعوا زوجها يرتاح لانه مرهق.. واسرع احد الطلبة الى نجدتها فاقنع زملاءه بالابتعاد.
وعاش الزوجان فترة أليمة عام 1932.
ويجب الا ننسى ان نضيف المشكلة المادية الى الالم النفساني وكان من الطبيعي ان تشعر الزوجة بألم شديد في ذلك الوقت ولكنها لم تكن تظهر شيئا من ذلك امام زوجها، بل على العكس كانت تحاول دائما ان تبث في نفسه الصبر والشجاعة.
ولكنه كان مرهف الاحساس الى اقصى حد، ولا شك ان كثيرا من الحوادث سبب له آلاما شديدة وكل ما في الامر ان كبرياءه كانت تمنعه من اظهار ما يشعر.. ولقد اظهرت الجامعة الامريكية نحوه كثيرا من العطف مما عزاه بعض الشيء في تلك الاوقات الاليمة البائسة.
طه.. المؤلف
وتنتقل قرينة طه حسين باشا الى الحديث عن مؤلفات زوجها.. لقد كتب 40 كتابا في التاريخ والادب والقصص. ولكنها مع الاسف لم تستطع ان تطالع الا ترجمة لبعض كتبه التي نقلت الى اللغات الاجنبية. مثل كتاب"الايام"ونقل الى 15 لغة منها الفرنسية والانجليزية والروسية والصينية.
وكتاب"دعاء الكروان"الذي نقل الى 6 لغات مختلفة بينها الروسية.
ومن بين مؤلفات زوجها المفضلة كتاب"شجرة البؤس"اما ابنها مؤنس فانه يفضل كتاب"اديب"ولكنها ترى ان كتاب شجرة البؤس يصف الروح المصرية بدقة وصدق.. فقد استطاع طه حسين ان يتغلغل في صميم الحياة المصرية.
ويلاحظ طه حسين وزوجته ان اكثر مؤلفاته كتبت خلال اجازتهما في فرنسا. فقد كتب"سيرة عثمان"في صيف 1947 في فرنسا، واستغرق تأليفه شهرين، بينما لم يستغرق كتاب"الايام"سوى 9 ايام. وكذلك"اديب"وهو كتاب طه حسين المفضل الذي يرجو اخراجه على الشاشة.
ولطه حسين وزوجته ذوق واحد في كيفية قضاء اوقات فراغهما.. فهما يفضلان الموسيقى او المطالعة اذا لم يكونا مرتبطين بموعد لقضاء سهرة.. وهما يحملان معهما اسطواناتهما الكلاسيكية المفضلة في جميع اسفارهما لانهما يشعران براحة تامة في الاستماع اليها عندما يكونان وحيدين..
ثم انهما يحبان مطالعة الصحف السياسية والادبية فان طه حسين يحب ان يتابع الحوادث. ولكنه من وقت لآخر يقول"يجب عليّ ان اعود الى فولتير او مونتيه".الزوجة اشتكت من ان زوجها يجهد نفسه كثيراً، وهي ترى ان الانسان لا يستطيع ان يفعل كل شيء في وقت واحد، بل يجب عليه ان يكتفي بالاشياء المهمة.
من شابه أباه..
وتقول قرينة طه حسين: ان لابنها مؤنس ميول ابيه.. فهو يقضي اكثر اوقاته بين الكتب.
اما ميولها الخاصة فانها تتجلى في عنايتها بالاثار القديمة، بل انها لتفضل قضاء وقت عند تجار الآثار، على قضائه عند تجار المجوهرات.. فالمجوهرات لا تستهويها ويمكن القول انها لا تحبها.
اما رأيها في الحركة النسائية فهو ان على المرأة المتزوجة ان تهتم ببيتها وباولادها. وان تترك السياسة للارامل والفتيات!

آخر ساعة/ آب- 1951