كتب الشاعرالرصافي عن الطرب والمطربين؟..ما رأي الشاعر بالمطربة ام كلثوم والمغنية منيرة الهوزوز؟

Wednesday 11th of March 2015 06:45:17 PM ,

عراقيون ,

صادق الأزدي
في يوم 16 من آذار سنة 1945 فوجئت بالاستاذ ناجي القشطيني مميز المطبوعات العربية في مديرية الرعاية العامة التابعة لوزارة الداخلية. فوجئت به وهو يبحث عن سيارة تقله الى منطقة الاعظمية – رحمه الله – وعندما سالته (الى اين تريد..) اجابني! اريد الدار التي عاش فيها الرصافي.

فقد مات في الصباح الباكر من هذا اليوم.. اتأتي معي لنشارك في تشييع جثمانه.. وهكذا ذهبنا معا الى الاعظمية في احدى السيارات العامة، وترجلنا واتجهنا نحو الدار التي مات فيها الرصافي شاعر العراق الكبير. وادخلونا الى الغرفة التي كان يرقد فيها وتأملت اثاثها المتواضع و(التنكة) التي كانت موضوعة في اناء معدني وخرجنا من الغرفة لنقف مع المشيعين الذين لم يكن يزيد عددهم على العشرة اشخاص من اهل الجوار.
وسألني القشطيني الا نستطيع التقاط صورة فوتغرافية للرصافي وهو على فراش الموت..
فاجبته نعم ولكن كيف اتصل بالمصور (ارشاك) فقال سابحث لك عن هاتف.
وجاءني بعد قليل واخبرني بانه عرف ان دارا غير بعيدة عنا فيها جهاز هاتف وقد اتصل باصحاب الدار فلم يمانعوا من استعمال هاتفهم للاتصال بالمصور ولما فعلت قال المصور ارشاك انه على مع موعد سابق وسيرسل الى احد الذين يعملون معه فاتفقنا على ان نستقبله في مكان معين من الاعظمية وهكذا كان الا اننا فوجئنا بعد وصول المصور بان جثمان الرصافي قد تم تكفينه بعد ان غسلوه وبعد مشاورات قمنا بفتح الكفن من ناحية الوجه والتقطنا له الصورة التي نشرتها في احد اعداد مجلتي – قرندل – وكنت قد نشرتها في صفحة المحليات من جريدة (الاخبار) التي صدرت صباح اليوم التالي – السبت -.
والرصافي على كثرة اهتمامه بالشؤون السياسية وانغماسه في مشاكل السياسة ومشاكلها فقد كان انسانا من سائر الاناس.. فهو يحب ويكره يخاصم ويصادق يفرح ويحزن يجد ويهزل وكان ينفعل فيندفع ويرى الدنيا وناسها بمنظاره الخاص فيحسر او يسيء. انه ليس اكثر من انسان له احاسيسه ووجهة نظره وانطباعاته وانفعالاته فيجب ان لا ننكر عليه الاقدام على كل ما يفعله غيره بزعم انه شاعر فالشاعر ليس الا من نفس هذه الدنيا اليوم وغدا.. والى الابد.
واهتمامات الرصافي في السياسية لم تكن لتحول بينه وبين الاستمتاع بالغناء الشجي والرقص الرقيق، وهو لم يكن يتظاهر بانه قد انصرف بكليته الى مشاكل الحياة بل قالها صراحة انه امضى ليلة من لياليه حتى وهو لم يترك العمامة في مرقص بمدينة الاستانة (استانبول) فقد نظم سنة 1898 قصيدته (ليلة في ملهى) ومما قال فيها وهو يصف الملابس التي كانت ترتديها احد الراقصات.

قصرت منه كمة عن يديها
واطالت الى النهود الجيوبا
هو زي يزيد في الحس حسنا
من تربى به وفي الطيب طيبا
وكان الرصافي من المعجبين بالمطربة ام كلثوم وقد زارها عام 1936 في دارها بمدينة القاهرة واقامت له حفلة تكريمية وقد سبق له ان خباها عندما اقامت اولى حفلاتها في بغداد سنة 1932 ومما قاله فيها.
ام كلثوم في فنون الاغاني
امة وحدها بهذا الزمان
هي في الشرق وحدها ربة الفن
من فما ان للفن رب ثاني
ذاع من صوتها اليوم صيت
عم كل الامصار والاكوان
نفهم من كل هذا الذي اوردناه ان الشاعر معروف الرصافي كان يطرب للغناء لجيد وينفعل مع الراقصة البارعة، وهو هو يقول في قصيدة له عنوانها (ليلة في دمشق).
صوت كان الغانيات
اعرنه هيف الحضور
سرى الهموم عن الفؤاد
بجوف حالكه الستور
والعود ينطق باللحون
بلهجتي (بمّ) و(زير)
يرمي به الصوت الرخيم
على الرجى لمعات نور
يحكي الزلال لدى العطاش
او الثراء لدى الفقير
وماذا عن علاقات الرصافي بالوسط الفني في بغداد..
بالعودة الى ديوان شعرها نجد انه لم يتحرج من ان ينظم قصيدته المشهورة (اليتيم في العيد) في رثاء شاب اسمه (نعيم الحلبي) كان يعمل في احد ملاهي بغداد في اعقاب العهد العثماني، ذلك ان الملاهي البغدادية القليلة العدد كانت تعمد الى استخدام الفنية والشباب ليؤدوا الرقصات وهم يرتدون الملابس النسائية وكان (نعيم) احد اولئك الشبان وقد اطلق الرصاص عليه رجل اسمه (منيب الباجه جي) فقال الرصافي في رثائه:
قضى والليل معتكر بهيم
ولا احد لديه ولا رحيم
تغن من غير باكية وباك
ومن يبكي اذا قتل اليتيم
الذي يجب ان نذكره ونحن نتحدث عن (نعيم) هو ان قاتله ابراهيم منيب قد حكم عليه بالسجن ولما افرج عنه كان قد تعلم نظم الشعر!
وكانت للرصافي في عنفوان شبابه ورجولته علاقات بعدد غير قليل من المطربات والمطربين فقد عرف سليمة مراد وزكية جورج وبدرية انور ومنيرة الهوزوز ورشيد القندرجي ومحمد القبانجي وغيرهما وغيرهن! واكثر الذين احبوا شعر الرصافي يذكرون ما قاله عن المطربة منيرة الهوزوز وقد نشرت تلك المقولة في ديوانه تحت عنوان (مليكة غناء العرب).
والسؤال الان هل كتب الرصافي معبرا عن وجهة نظره في الغناء والموسيقى؟ ما بين يدي من (دواوين الرصافي وما كتب عنه بعض محبيه ومنتقديه لا يشير الى ذلك الا ان مجلة (الهلال) القاهرية تقول في عددها الصادر في الاول من شهر تشرين الثاني سنة 1947. (ان الشاعر الرصافي قد كتب يعرب عن وجهة نظره في الامرين الغناء والموسيقى ونشرت المجلة ذلك الذي نسبته اليه تحت عنوان (الاغاني – من مذكرات شاعر العراق معروف الرصافي) وقالت في مقدمة ما اقتطفته من تلك المذكرات (ترك المرحوم الاستاذ معروف الرصافي الشاعر العراقي المشهور بعض الاثار الخطية غير المطبوعة وبينها كتاب بعنوان – خواطر وافكار – اودعه بعض الخواطر والافكار في الفن والادب والاجتماع وهذا فصل منه في موضوع – الاغاني).
ومن طريف ما ورد في ذلك الذي نشرته (الهلال) وقالت انه من مذكرات الرصافي قوله (وقد قيل لي ما رايك في المغني المشهور محمد عبد الوهاب؟ فقلت (فنان ولكن.. وقيل لي (فما تقول في ام كلثوم؟) فقلت:
ام كلثوم في فنون الاغاني
امة وحدها بهذا الزمان
ثم يواصل الرصافي الكلام فينتقل الى الموسيقى العربية فيقول:
- وقيل لي ماذا تقول في الموسيقى العربية في عصرنا هذا؟
فقلت ان الموسيقى الالية في مصر ارق من الموسيقى الصوتية باستثناء ام كلثوم ثم تاتي بعدها في المرتبة الثانية الموسيقى الالية في سوريا فهي ايضا ارقى من الموسيقى الصوتية هناك ثم تاتي بعده في المرتبة الثالثة الموسيقى الآلية في العراق فهي ارقى ايضا من الموسيقى الصوتية. فالموسيقى الصوتية في جميع الاقطار العربية متأخرة في عصرنا هذا عن الموسيقى الالية.

جريدة الاتحاد 1984