الفائز بالجائزة الاولى للسينما: عماد حمدي.. وحكايته مع الحظ !

Monday 15th of December 2014 06:18:50 PM ,

كان زمان ,

ثروت فهمي
تصوير ابراهيم مسلم
هناك مثل يقول: قيراط حظ ولا فدان شطارة!
ويبدو ان هذا المثل صحيح من وجهة نظر عماد حمدي، ولو ان عماد يستدرك قائلا: ان هذا المثل لا يعني ان نعتمد على الحظ، بل لا بد ان يؤدي الانسان ما عليه، وان يجتهد ليتفوق حتى اذا جاء الحظ وجد ابواباً مفتوحة يدخل منها!..

ومعروف ان عماد حصل على جائزة التمثيل الاولى في مهرجان القاهرة السينمائي ولم يكن عماد عند حصوله على الجائزة في القاهرة، ولم تكن لديه اية فكرة عن المهرجان لانه كان يعمل في (دبي) قبل اقامة المهرجان بثلاثة شهور، ولم تكن الجرائد المصرية تصل الى دبي بانتظام، وذات يوم استيقظ على رنين جرس التليفون، وكان المتكلم صديق قال له: متشكر.. وقفل السكة دون ان يهتم بالنبأ، لانه اعتقد انها جائزة عادية من الجوائز التي تمنحها الهيئات، خصوصا انه ليس من (زبائن) الجوائز الكبيرة المحصورة في اسماء محدودة!
وحوالي الساعة العاشرة صباحا خرج من الفندق كعادته واشترى الجرائد المحلية، ففوجئ بصورته تتصدر الصفحات الاولى مع (مانشتات) باللون الاحمر تشيد بالممثل العربي الذي تفوق على جميع الممثلين الاجانب فادرك ان الجائزة التي فاز بها: كانت في مهرجان دولي بمعنى الكلمة!..
يقول عماد: ولا انكر انني احسست بفخر واعتزاز كعربي ومصري ربح الجولة على المستوى العالمي..
قلت: وما ترتيب هذه الجائزة في عدد الجوائز التي حصلت عليها؟
فقال بحرارة: هذه هي المرة الاولى التي اربح فيها جائزة اولى، وقد سبق ان حصلت على الجائزة الثانية في فيلم (ام العروسة)
قلت: كم يبلغ عمرك على الشاشة؟
قال: بدأت سنة 1945 اي ان عمري السينمائي الان 31 سنة، وقد قمت ببطولة اكثر من 250 فيلماً.
قلت: الم يكن لك في كل هذه الافلام دور يستحق الجائزة الاولى؟
قال: جوائز الافلام توزع على الاسماء المعروفة، ومن يفوزون بالجوائز تعرف اسماؤهم حتى قبل انعقاد اللجان!
وانفعل عماد حمدي وهو يقول: كان دوري في فيلم (بين الاطلال) سببا في نجاح الفيلم وقد فاز الفيلم بالجائزة الاولى، وحصل جميع العاملين فيه على جوائز.. البطلة والمخرج والمؤلف والسينارست حتى مهندس الديكور والخطاط.. عدا انا.. اليس هذا شيئاً مضحكا!!.
قلت: ولماذا لم تحتج؟
قال: انني ارفض جائزة تاتي بعد شكوى او احتجاج.. ان تقدير الجماهير عندي اغلى من جميع الجوائز!..
لكن كيف بدا عماد؟
وهل لعب (الحظ) دوراً في حياته!
بدأ عماد حياته العملية بعد ان تخرج في كلية التجارة عام 1922، وكان اسمها عند تخرجه (مدرجة التجارة العليا) وافتتح بعد تخرجه مكتبا للاعلان اطلق عليه اسم (مكتب لونس للاعلان) وبعد عامين اغلق المكتب لظروف لا مجال لذكرها الان، وتوظف (باشكاتب) في مستشفى ابو الريش للاطفال واثناء عمله في مستشفى كان يهوى المسرح ويقوم مع صديق له بترجمة مسرحيات لفرقة جورج ابيض، وكان هذا الصديق مقيما في الفيوم، ولذا فانه كان سافر له كل يوم خميس بالطريق الصحراوي، ولم يكن طريق الفيوم الصحراوي قد انشئ وقتها، بل كان هذا الطريق يمر بستوديو مصر.. وفي احدى المرات شاهد الساحة الموجودة امام الاستوديو مزدحمة بشكل ملفت للنظر. فسأل هل هذا سوق؟ فقيل له انها ساحة ستوديو مصر، وان الزحام الذي يشاهده احد المشاهد المعدة لفيلم وداد.. فأسرها في نفسه، وبعد عودته من الفيوم زار الاستديو فوجد به محمد رجائي، وهو بالنسبة له صديق قديم وزميل دراسه، وكان وقتها يشغل منصبا كبيراً في الاستوديو.. فساله: هل اجد لديكم وظيفة؟
فقال له محمد رجائي: فيه وظيفة رئيس حسابات.. فتقدم للوظيفة وبين بها فعلا وظل يعمل في الوظيفة ثمانية اعوام كاملة، وصل مرتبه في نهايتها الى ثمانين جنيها، كما تعددت مناصبه، فاصبح رئيسا للحسابات، ومديرا للانتاج والتوزيع، لكنه كان مع ذلك يتطلع الى التمثيل، دون ان تتاح له الفرصة..
وحدث انه كان يزور قاسم وجدي – رحمه الله – في مكتبه بشارع توفيق، وكان قاسم اشهر ريجسير في ذلك الحين، وبعد ان شرب القهوة غادر المكتب دون ان ينتبه للضيوف الموجودين، وكان ضمن هؤلاء الضيوف كامل التلمساني الذي جاء للبحث عن وجه مصري يقوم ببطولة فيلم (السوق السوداء) وعندما غادر المكتب كان كامل التلمساني قد استقر على اسناد دور البطولة اليه، ولذا فانه سال قاسم وجدي عن حقيقته..
فقال له قاسم: ده زميلك في ستوديو مصر.
ووقتها كان ستوديو مصر يوظف جميع المخرجين..
وهكذا ظهر عماد على الشاشة لاول مرة، ولم يحصل وقتها على اجر، لانه كان بحكم وظيفته ممنوعاً من ممارسة اي عمل بأجر، لكنه حصل على مكافأت قدرها مائتي جنيه.
وعندما عرض الفيلم فشل فشلا ذريعاً، لكن عماد نجح، ولفت الانظار، فاسند له صلاح ابو سيف بطولة اول فيلم قام باخراجه (دايما في قلبي) وحصل عن هذا الفيل على مكافأة اخرى قدرها 200 جنيه وبعد ذلك استقال من الوظيفة وتفرغ للتمثيل..
قلت: كم اعلى اجر تقاضيته عن دور لك على الشاشة؟
قال: اربعة الاف جنيه.. لكن احب ان اقول لك انني لا اتمسك باجر محدد كما لو كانت (مشعبره) فكل فيلم له ظروفه، كان يكون المنتج صديق، او تكون للدور ابعاد تجعل المادة في المقام الثاني.
قلت: هل يوجد دور تتمنى ان تمثله؟
قال: يهمني ان امثل الدور الجيد حتى لو كان دور ماسح احذية!
قلت: مارست العمل المسرحي.. فما الفرق بينه وبين العمل السينمائي؟
قال: المسرح اروع طبعا.. والذي لا يعمل في المسرح ليس فنانا، لكن المسرح يتطلب جهدا من الصعب على من كان في مثل سني القيام، ثم ان اجر المسرح لمثلي لا يفي بمطالب المعيشة بل انه قد لا يفي بايجار الشقة؟
قلت: وما رأيك في المسرح الان؟
قال: انني اسأل.. اين مسرح الريحاني ويوسف وهبي وجورج ابيض وفاطمة رشدي وغيرهم من عمالقة الجيل الماضي؟!
قلت: اسعد اوقاتك متى؟
قال: هي التي اقضيها في منزلي..
قلت: امتع هواياتك.. ما هي؟
قال: امتح هواياتي طهي طعامي وصيد السمك!
قلت: ما اقصى ما نطمح في تحقيقه؟
قال: ان اظل بصحتي حتى نهاية حياتي حتى استطيع ان اقف على قدمي وارى عملي.

آخر ساعة/ أيلول- 1976